-->

بسم الله والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين

اخر المواضيع

مبدأ المفعول المنشئ للترسيم (المجال و الآثار)



dourouby.tn

 

مبدأ المفعول المنشئ للترسيم (المجال و الآثار)




مبدأ المفعول المنشئ للترسيم
 
(المجال و الآثار)
 

إعداد : فرج الأزرق
متفقد مركزي بالديوان الوطني للملكية العقارية بسوسة 

 

 

اعتمد  المشرع التونسي مبدأ المفعول المنشئ للترسيم  منذ سنة 1885 إلا أنه سرعان ما تراجع عنه بسبب تأثيرات القانون الفرنسي

و قد أدى ذلك إلى بروز ظاهرة الرسوم العقارية  المجمدة و مالها من انعكاسات سلبية على الحراك العقاري و صيرورة تداوله مما يقلص من دور العقارات في التطور الاقتصادي و الاجتماعي .

و قد ذهب أغلب فقهاء القانون إلى تفسير هذا المبدأ على أنه الحق العيني الذي لا ينشأ إلا من تاريخ ترسيمه و لا يرتب بالتالي  المفعول المنشئ آثاره إلا من نفس تاريخ الترسيم و هو ما ينتهي بنا إلى أن الترسيم بالسجل العقاري هو منشئ الحق بذاته و من لدنه ذلك أنه لا قوة الاتفاقات و لا حتى قوة القانون من حيث المبدأ بإمكانها المساهمة في ظهور هذا الحق و إنتاج آثاره .

و عودا إلى أصل المسألة و بهدف أساسا تحرير الرسوم من الجمود و إشراك بالتالي المتعاملين عليها في لحلحة النشاط العقاري تدخل المشرع بموجب القانون عدد 46 لسنة 1992 المؤرخ في 04 ماي  1992 ليقر هذا المبدأ صلب الفصل 305 من مجلة الحقوق العينية إضافة إلى تنقيح عديد الفصول القانونية الأخرى لإقرار نفس المبدإ و دعمه و هي الفصول 581 م إ ع و 204 م أ ش و 278 و 350 م ح ع

 

 

و رغم أهمية مبدأ المفعول المنشىء كما أسلفنا الذكر إلا أنه أثار في المقابل جدلا و نقاشا لا يستهان بهما   من ذلك أن البعض من فقهاء القانون و رجالاته رأى في مبدأ  المفعول المنشئ تصادم صارخ مع مبدأ الرضائية و مبدأ سلطان الإرادة .

و تجدر الإشارة إلى أن المشرع لم يشأ تطبيق المبدأ بصفة فورية مخيرا في المقابل تطبيقه بصفة تدريجية و ذلك بسبب تردي الرسوم العقارية ليحدد في الأخير الرسوم العقارية الخاضعة لمبدأ

المفعول المنشئ و هي الرسوم العقارية المحدثة تنفيذا لأحكام التسجيل ابتداء من دخول القانون عدد 30 لسنة 1998 المؤرخ في 20 أفريل 1998 و كذلك الرسوم الصادرة في شأنها قرار من المحكمة العقارية في ختم إجراءات التحيين و التي تم تنفيذها و هذا ما يستشف من القانون عدد 34 بلسنة 2001 المؤرخ في 10 أفريل 2001 و القانون عدد 91 لسنة 2000 المؤرخ في 31 أكتوبر 2000

و لتحديد خصوصية هذا المبدأ و أهميته في آن يتجه البحث أولا في مجال تطبيقه و ثانيا في الآثار المترتبة عنه


الفرع الأول : مجال تطبيق المبدأ و استثناءاته

 

1)  مجال تطبيق المبدأ
 

لقد حدد الفصل 373 من مجلة الحقوق العينية مجال تطبيق مبدأ المفعول المنشئ للترسيم و ذلك ببيان الحقوق التي  يجب ترسيمها و هي : 


أ‌-   الصكوك الإرادي

تتمثل الصكوك الإرادية في جميع الصكوك و الاتفاقات فيما بين  الأحياء مجانية كانت أو بعوض سواء تعلقت بإنشاء حق عيني أو بنقله أو بالتصريح به أو بتعديله أو بانقضائه أو بجعله غير قابل للتفويت أو بالتقييد من حرية جولانه أو بتغيير أي شرط من شروط ترسيمه

 

و من أهم العقود المجسدة لهذه الحقوق نذكر على سبيل المثال :

البيع – المعاوضة –المقاسمة- الصلح- التنازل- الإسقاط- الهبة 

و خلاف ذلك من العمليات المكسبة للملكية في شتى صورها الممكنة بالاتفاق أو بقوة القانون

 

و تجدر الإشارة إلى أن المشرع التونسي أراد من خلال هذا الفصل إخضاع  العقود الكاشفة للملكية بما في ذلك القسمة حتى لا يقع إقصاؤها من مجال تطبيقه

 كما أن المشرع  أخضع العقود التي تبرمها الدولة و الجماعات المحلية و الرهون التي تبرمها المؤسسات البنكية و المالية إلى هذا المبدأ رغم عدم إخضاعها إلى أحكام الفصل 377 فيما يتعلق بطريقة تحريرها

ب‌-        الصكوك القضائية

تتمثل الصكوك القضائية في الأحكام التي أحرزت على قوة الشيء المقضي به أي الأحكام النهائية التي بالإمكان تنفيذها وفقا لأحكام الفصل 286 من م م م ت و هذا ما يؤدي إلى إقصاء الأحكام الاستيفائية مثل الأذون و العرائض التي لا تحصل على قوة اتصال القضاء

 

و أحكام المحكمة العقارية التي تتمتع بالقوة الثبوتية المطلقة الواردة بها باعتبار أن المفعول المنشئ لا يشمل إلا الترسيمات الإدارية اللاحقة

 

و من بين الأحكام التي أحرزت على قوة اتصال القضاء نذكر :

البيوعات العقارية- الشفعة-الأحكام الإستحقاقية

 

ج- الصكوك الإدارية
 

تتمحور الصكوك الإدارية في تلك الصكوك التي ينجر عنها قانون إنشاء الملكية أو نقلها أو كشفها أو قيدها أو انقضائها

 

و من أهم هذه الصكوك نذكر أمر الانتزاع أو المصادقة على أمثلة التهيئة العمرانية

و قد أدى غموض أحكام الفصل 373 في شأن هذه الصكوك و مدى خضوعها إلى مبدأ المفعول المنشئ للترسيم إلى عدة نقاشات على مستوى الفقه و فقه القضاء فمنهم من يرى أن إحالة الملكية في مثل هذه الصور تستند إلى القانون ذاته و لا تحتاج بالتالي إلى الترسيم

 

غير أن الأمر قد حسم بالنسبة لأوامر الانتزاع ذلك أن المشرع قد أوجب ترسيمه لنقل الحق و ذلك بموجب القانون عدد 26 لسنة 2003 المؤرخ في 14 أفريل 2003 المتعلق بتنقيح و إتمام القانون عدد 85 لسنة 1976 المؤرخ في 11 أوت 1976 المتعلق بمراجعة التشريع الخاص بالانتزاع للمصلحة العمومية .

 

و بالرجوع إلى أحكام الفصل 373 من م ح ع نجد أن المشرع قد أقر استثناءات بصفة صريحة لبعض الحقوق التي أبقاها خارج إطار المبدأ موضوع البحث


 

    2- الاستثناءات

 


إن المقصود بالاستثناء هو أن يظهر الحق و يختفي خارج إطار السجلات العينية

و تتمثل جملة هذه الاستثناءات في المسائل الآتي تفصيلها:


أ‌-  انتقال الملكية بموجب الميراث و الوصي

لقد نصت مجلة الأحوال الشخصية من خلال أحكام الفصل 85 على مبدأ الانتقال للتركة بموجب الوفاة و هذا ما أقره المشرع بالفصل 373 من م ح ع إذ نص على أنه :

"لا يجوز للورثة أو للموصى لهم التصرف القانوني في حق عيني مشمول بالتركة أو بالوصية حسب الحال قبل انتقال الملكية بالوفاة".

 

ب- الحقوق الشخصي

لقد استبعد المشرع كذلك  تطبيق مبدأ المفعول المنشئ من  هذه الحقوق  و المنصو عليها بالجزء الثاني من الفصل 373 من مجلة الحقوق العينية  وهي عقود التسويغ و الصكوك و الأحكام المثبتة للخلاص


ج- القيود الاحتياطية و الاعتراضات التحفظية
 

 لا يجوز الحديث عن المفعول المنشئ للترسيم في هذا الإطار باعتبار ان القيد الاحتياطي يهدف إلى ضمان الأسبقية في الزمن و معارضة الترسيمات بناء على صكوك و دعاوي أو طعون لا يعلم مآلها .و هو إجراء اختياري لا يوجب المشرع إتيانه .

 

و تهدف الاعتراضات التحفظية و التنفيذية إلى وقف التعامل على العقار حماية لحقوق الدائنين القائمين بالتتبع وهو بالتالي يختلف على الترسيم و ليس له علاقة ما بالمفعول المنشئ

 

د- حق الامتياز

لم ينص الفصل 373 من مجلة الحقوق العينية  على هذا الحق إذ أن حق الامتياز مقرر قانونا و لا يلزم الترسيم لنشأته

 


الفرع الثاني : آثار مبدأ المفعول المنشئ للترسيم:
 

يترتب عن المبدأ المنشئ للترسيم أثرين أساسيين و الآتي توضيحهما

 

1)  انهيار التفرقة بين الغير و الأطراف

لقد كانت مؤسسة المعارضة هي القائمة قبل إصدار القانون عدد 46 لسنة 1992 إذ نص الفصل 305 قديم من م ح ع على أن "كل حق لا يعارض به الغير إلا بترسيمه بالملكية العقارية و ابتداء من ذلك التاريخ" مما يترتب عنه أن الحق العيني ينتقل إلى الطرف المستفيد من العقد بمجرد إبرامه و احترامه للشروط الشكلية و الأصلية دون حاجة إلى ترسيمه بالسجل العقاري و الذي يعد إجراء وجوبيا للمعارضة و الاحتجاج به إزاء الغير إلى بروز ظاهرة الرسوم المجمدة باعتبار أن المشتري مثلا في عقد البيع يصبح مالكا للعقار بمجرد إبرام الاتفاق و بالتالي لا يحرص على إشهاره بالسجل العقاري و هكذا يتواتر إبرام الاتفاقات في شأن نفس العقار دون أن يقع ترسيم تلك الكتائب ليجد المستفيد الأخير من التفويت نفسه في حالة عجز إجباري على ترسيم عقد شرائه و تحمل بالتالي تبعات تقاعس من سبقوه من المستفيدين

 

و هذا ما أدى بالمشرع إلى التدخل بموجب القانون عدد 46 لسنة 1992 المؤرخ في 04 ماي 1992 لينص بالفصل 305 من مجلة الحقوق العينية جديد على أن " كل حق عيني لا يتكون إلا بترسيمه و ابتداء من تاريخ ذلك الترسيم"

إن الترسيم حسب الفصل المذكور هو الذي ينشأ الحق العيني و ينقله فلا وجود لحق عيني بين الأطراف المتعاقدة أو إزاء الغير إلا بإشهار الصك أو الاتفاق المثبت له.

و هذا ما يؤكده الفصل 373 من م ح ع حيث نص على أنه "... يترتب عن عدم إشهار الأمور الواردة بالفقرتين المذكورتين (الصكوك الخاضعة للمبدأ) أن الحقوق العينية الواردة بها لا تكون حجة فيما بين المعنيين بالأمر أنفسهم " فعقد بيع عقار مسجل لا ينقل الملكية للمشتري إلا بعد أن يتم ترسيمه بالسجل العقاري"

 

و هكذا يمكن القول أن لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم عدة امتيازات أهمها تفادي وجود حياتين للعقار الواحد و دفع المتعاملين على الرسم العقاري على السعي قدما و الإسراع في ترسيم كتاتبهم هذا بالإضافة إلى السهولة في تحديد المالك الحقيقي للعقار

 

و في مقابل ذلك تتأكد حساسية التساؤل عن مآل الحقوق غير المرسمة

 

و هذا ما سنبينه  من خلال الأثر الثاني لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم


2)   التمييز بين الحق الشخصي و الحق العيني
 

بالرجوع إلى أحكام الفصل 305 من م ح ع و الفصل 377 من نفس المجلة الذي ينص على : " و يترتب عن عدم إشهار الأمور الواردة بالفقرتين المذكورتين أن الحقوق العينية الواردة بها لا تكون حجة فيما بين المعنيين بالأمر أنفسهم و لا يترتب عن تلك الأمور غير المرسمة سوى التزامات شخصية"

و أهم ما يستنتج من خلال الفصلين المذكورين أن الحق العيني "الذي يقصد به ذلك الحق المباشر الذي يتسلط بدون و سلطة على العين و يسند إلى صاحب حق التتبع و حق التقدم" لا يتكون كما سبق الإشارة إليه إلا بموجب ترسيم الصك موضوعه و ابتداء من ذلك الترسيم أي أن القول بنشأة الحق العيني يرتبط بتاريخ إجرائه و لا يرتد مطلقا إلى تاريخ إبرام العقد و بالتالي إلى حد تاريخ الترسيم تبقى الملكية البائع الذي يتحمل جميع الآثار المتعلقة بها.

أما العقد الغير مرسم فلا ينجر عنه سوى التزامات شخصية. و هو عقد من نوع خاص يثير

صعوبة في تحديد هذه الالتزامات المرتبطة به خاصة و أن المشرع التونسي لم يحدد هذه الالتزامات.

 

https://www.dourouby.tn/2021/08/View-the-real-estate.html
dourouby.tn

ليست هناك تعليقات

-- --