-->

بسم الله والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين

اخر المواضيع

الشكلية في تكوين الرّهون العقارية



dourouby.tn

 

الشكلية في تكوين الرّهون العقارية


الشكلية في تكوين الرّهون العقارية


بقــلم: عمّــــار الميـغري
متفقد مركزي للملكية العقارية


إنّ الأصل في الاتفاقات أنّها رضائية أي أنّ التعبير إراديا عن قبول الالتزام يظل كافيا للتقيد قانونيا به.

فالالتزام إنّما ينبع من سلطان الإرادة ، وليس في الأمر عجب فإذا كان الإنسان حسب ما نادت به الديانات و المواثيق الدولية و القوانين الداخلية سيّدا لنفسه وعلى نفسه فإنّه يمتلك القدرة على تقييدها و تعمير ذمته بما يرتضيه من التزامات كما يمتلك القدرة أيضا على إبقائها مجردة  و حرّة من كل قيد أو شرط.

وعلى هذا فإنّ الرضائية في العقود ليست سوى ترجمة لسلطان الإرادة و انتصارا لمبادئ الحرية الإنسانية

ويقتضي هذا التسليم الذّي كان سليل حقبات تاريخية متعددّة ومتراكمة الانتهاء إلى نتيجة مهمة وهي أنّ كل تدخل خارجي يفرض على الإرادة الإنسانية ما لاترتضيه إنّما هو حدّ من الحرية و قيد للإرادة.

فالفرد ليس إذن كائنا معزولاَ يفعل ولايفعل دون قيد وإنّما كائنا اجتماعيا يفعل و يمتنع في سياق منظّم ، وليس في هذا تغييب للإرادة أو نفي لها و إنّما تنسيب لها فقط حماية للتعايش الجماعي

وليست الشكلية سوى إحدى مظاهر النسبية الإرادية فهي جملة من الإجراءات و الاشتراطات التي لا يتمّ الالتزام أو لا ينشئ أثاره أو لا يعارض به الغير أو لا يُثبت عند النزاع من دونها، ومادامت الشكلية منصهرة في منظومة تنسيب سلطان الإرادة و مادام هذا التنسيب يستند إلى مبررات واقعية و اجتماعية حمائية ، فإن عليها أيضا لتكون مشروعة أن لا تنسلخ عن الخطاب الحمائي أو تتجاوز حدوده.

والشكليات المفروضة عن تكوين الرهن العقاري لا بدّ أن تندرج في هذا المجال حتّى لا يفقد الرهن العقاري أسسه كعقد ينبع ولايزال من سلطان الإرادة.

إنّ الحديث عن الشكلية في تكوين الرهن العقاري لأمر دقيق ، فالشكليات و النصوص العقارية تعدّدت حتى أنّ الإلمام بها صار من العسر بمكان فلم يبق فرق مهم بين الشكلية في تكوين عقد الرهن العقاري وهي جملة الشكليات التي تفرض لصحة العقد و أهمها الكَتب (I) وبين الشكلية لتكوين الرهن ذاته كحقّ عيني يولد من صميم العقد و لكنّه لا يوجد قانونيا في بعض الأحيان إلا بترسيمه ، وهو ما يعني أنّ الكتب لا يكفي أحيانا ليولد الحقّ (II).

1ـ ضرورة الكَتب:

يشكل الكتب في حدّ ذاته إحدى الشكليات المهمّة في نشأة الرهن العقاري، و الحديث عن  الكتب لا يكتفي بتفصيل شكله و تنصيصاته بل يطال أيضا محرريه، فالكتب إذن يقتضي توفر شروط موضوعية(أ) وكذلك شروط ذاتية(ب).


أـ الشروط الموضوعية:

ينص الفصل 275 من مجلة الحقوق العينية على أن "لايصحّ الرهن العقاري إلا بكتب يعين به ذات العقار المرهون و مبلغ الدين" ، ومن الواضح من عبارات هذا الفصل أن الكتب يعتبر شرطا لصحة عقد الرهن المتعلق بعقار و ينجر بالتالي عن مخالفته بطلان الرهن الموظّف على العقار.

وتقف عديد الأسباب وراء هذا الاختيار التشريعي الذّي يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر     و تحديدا إلى الفصل 343 من القانون العقاري لسنة 1885.

من جهة أولى يشكل الرهن الموظّف على العقار خطورة كبرى تستوجب أن يتمّ إفرغه و تحريره بواسطة كتب لأنّ الكتب يوفر للدائن و للمدين خاصّة كافة الضمانات التّي تحيط بعملية الرهن الذّي يمكن أن يؤدي إلى بيع العقار، فأهميّة التزام المدين تبرر كتابة العقد حتى يكون صحيحا وعلى هذا الأساس يشكل الكتب حماية للأطرف و خاصّة الملتزم به أي المدين

من جهة ثانية يقتضي استقرار نظام الرهن العقاري الذّي يشكل كما يرى بعض الفقهاء الأرضية الأساسية للاقتراض العقاري أن تكون الرهون موثقة بكتائب تفاديا للنزاعات التي يمكن أن تنشأ بين الأطراف لو لم يكن العقد مكتوبا و تضعف بالتالي من الثقة التي يتمتع بها الرهن العقاري كتأمين عيني لعلّه يقف على رأس التأمينات من حيث النّجاعة و المردودية ومن شأن هذه الثقة أن تدفع حركة الاقتراض و الإعتماد و بالتالي الاستثمار وهو بذلك يقوم كأحد الدعائم لحماية بعض الحلقات المهمّة في الدورة الاقتصادية ككل.

من جهة ثالثة من شأن وجود كتب الرهن العقاري أن يوفر حماية معتمدة للغير إذ بوجود الكتب يمكن للغير أن يعلم بوجود الرهن أساسا وكذلك بموضوع الرهن خاصّة و أن على الكتب أن يتضمّن تحديدا للعقار الذّي يتسلّط عليه الرهن و كذلك لمبلغ الدين الموظّف من أجله الرهن

فالكتب إذن يؤدي في بعض نواحيه وظيفة الإنذار بالنسبة للغير الذّي يروم شراء العقار أو توظيف رهن آخر عليه.

واقتناع المشرّع بهذه الأهمية لم يذهب به بعيدا إلى حدّ اشتراط شكل معيّن في الكتب مثل بعض القوانين المقارنة التي كانت تشترط الكتب الرسمي لصحة عقد الرهن العقاري

وبالرغم من وجاهة هذه الاعتبارات فإنّ المشرع سكت عن شكل الكتب الذّي يجب أن يؤخذ على إطلاقه تطبيقا للمبدأ الوارد بالفصل 533 من مجلة الالتزامات و العقود، فيمكن أن يكون رسميا أو بمجرّد خطّ اليد، ومن الطبيعي أن تكون لهذا المنحى مبررات أيضا تاريخية و واقعية

أمّا الأسباب التاريخية فإن الفصل275 السالف الذكر لا يشكل في الحقيقة حكما منبتا أو جديدا ظهر بظهور مجلة الحقوق العينية وإنّما هو سليل و امتداد للفصل 343 من القانون العقاري لسنة 1885.و مادامت للمسألة جذور تعود إلى حقب تاريخية قديمة فإن مبررات الاختيار لابد أيضا أن يبحث عنها في العهد القديم أولا ثم يفسر تواصل اعتماد ذات المبررات عند سن مجلة الحقوق العينية. حينما وقع سن الفصل 343 سنة 1885 لم يكن أمام المشرع في الحقيقة خيارا

من حيث شكل الكتب ذلك أنه من العبث الحديث عن كتابة العقود بواسطة مأمور عمومي في تونس في نهاية القرن التاسع عشر.فلا مهنة عدول الإشهاد أنذاك منظمة ولا الإمكانيات المالية  و الذهنية للتونسيين أنذاك تقبل اشتراط أن يكون الكتب متّخذا لشكل الحجة الرسمية و ليس حال البلاد التونسية سنة 1965 تاريخ سن مجلة الحقوق العينية أفضل مما كانت عليه في أواخر القرن التاسع عشر وعليه فإنّ الوقت أنذاك لم يكن يسمح للمشرع بالتفكير في تغيير أسلوب التعامل مع الرهون العقارية القائم منذ 1885

و أما الأسباب الواقعية فتعود إلى نجاح التجربة السائدة التي اعتمدت الخيار في شكل الكتب   و لايغير الأسلوب إذا عرف نجاحا بل أنّ التغيير حين لا يكون التغيير مطلوبا يشكل عملا غير محمود العواقب.

و ربما يعود نجاح التجربة فيما يعود إلى أنّ إمكانية تحرير العقود بخط اليد توفر للأطرف جهودا و وقتا و أموالا بعيدة عن أن يُستهان بها كما أنها تمتاز بإجراءات يسيرة من شأنها أن تشجع الإقبال عليها وعلى كل حال و بالرغم مما قد يفتحه الكتب الخطّي من مخاطر التدليس فإنّ مبدأ الخيار لاقى ومازال يلاقي نجاحا و تطبيقا واسعا في البلاد دون عيب أو شكوى.


نصّ الفصل 275 المذكور على بعض البيانات التي يتحتّم وجودها ضمن كتب الرهن العقاري وعلى تعيين الدين من جهة و تعيين العقار المرهون من جهة أخرى

فتعيين العقار المرهون من شأنه أن يقطع بعض النزاعات التي تشتغل من هشيم الإطلاق إذ أنها تستتب في أغلب الحالات خاصة إذا لم يف أحد العقارات المرهونة عند بيعه بخلاص الدين المطالب به، وعلى هذا لابد بعقد الرهن أن يحدد العقار موضوع الرهن كأن يكون ربعا أو منزلا أو مأوى أو أرض غرس وما إلى ذلك

أمّا تعيين الدين فلا يخلو من الفائدة إذ لا يغيب أن الرهن العقاري إنّما هو حق تبعي كما هو مبين بالتعريف الوارد بالفصل 201 من مجلة الحقوق العينية الذّي ينص على أنّ " الرهن عقد يخصص بموجبه المدين أو من يقوم مقامه شيئا منقولا أو عقارا أو حقا مجردا لضمان الوفاء بالتزام..."فلا يمكن إذن تصّور قيام رهن مستقل دون وجود التزام باعتبار أنّ الأول يعتبر من توابع الثاني. ولما كانت التبعية تميز العلاقة ما بين الرهن و الالتزام وفقا لقاعدة الفرع يتبع الأصل، فإن الرهن يواكب بالضرورة جميع حالات الالتزام و أوضاعه وجودا وعدما...

وهذا يعني أن الرهن يبطل أو يفسخ أو ينقضي ببطلان و فسخ و انقضاء الدين الموظّف من أجل الوفاء به

فإذا كان وجود الرهن و انعدامه أو انقضاؤه مرتبط وثيق الارتباط بالدين المضروب من أجله لابدّ من معرفة ذلك الدين معرفة تامّة

ينص الفصل 274 من مجلة الحقوق العينية على أنّ " الكتب المحرّر ببلد أجنبي لا يمكن أن يرهن به عقار كائن بالبلاد التونسية أو أن يعتمد لتسليط رهن عليه "، ويعني ذلك أنه لا يمكن رهن عقار كائن بالبلاد التونسية بموجب كتب محرر في الخارج و لوكان ذلك الكتب صحيحا   و محررا وفق قانون البلاد التي حرر فيها.إنّ الفصل 274 المذكور يقبل النقد من عدّة أوجه

من ناحية أولى تضمن هذا الفصل تحجيرا مطلقا دون أن يترك منفذا أو استثناء في الحالة التي يكون فيها عقد الرهن المبرم بالخارج محررا من قبل القناصل التونسيين وفق القانون التونسي فلا موجب لرفض اعتماد هذا العقد

من ناحية ثانية يحدث هذا الفصل تمييزا غير مبرر إذ أنّ رهن الأصل التجاري الذّي يتمّ خارج التراب التونسي يمكن اعتماده في تونس دون إشكال في حين أنّ رهن العقار الذّي يتمّ خارج البلاد التونسية لا يكون مقبولا

من ناحية ثالثة تنكر المشرع في هذا الفصل لتاريخه إذ أنّ الفصل 251من القانون العقاري لسنة 1885 كان يسمح بإبرام عقود رهن عقاري خارج المملكة التونسية إذ ينص على أنه يرهن عقار في المملكة بعقد مكتوب في بلاد أجنبية لكن بشرط أن يكون موافقا لأحكام هذا القانون.


ب ـ الشروط الذّاتية:

تتعلق الشروط الذاتيّة بصفة الشخص الذّي يقوم بتحرير العقد، فإذا كان عقد الرهن العقاري يأخذ شكل الكتب الرسمي فإنّ المحرر يجب أن يكون الأمور العمومي إذ ينص الفصل442 من مجلة الالتزامات و العقود على أنّ " الحجة الرسمية هي التي يتلقاها المأمورون المنتصبون لذلك قانونا في محلّ تحريرها على الصورة التي يقتضيها القانون "

وعلى هذا فإنّ القواعد المتعلقة بتحرير الحجج الرسمية تجد طريقها للتطبيق على الرهن العقاري دون ما إشكالات قانونية

أمّا إذا كان الرهن مقاما بموجب كتب خطي فإن أحكام الفصول 449و ما بعده من مجلة الالتزامات و العقود تنطبق أيضا، وينص الفصل 452 من ذات المجلة على أنّه " يجوز أن يكون الكتب غير الرسمي بغير خطّ العاقد بشرط أن يكون ممضى منه ".

ويعني ذلك أن المهم في الكتب أن يكون موقعا من الأطراف لأن محتويات الكتب لا تكتسب قيمته إلا بإمضائها من الأطراف إذ أنّ الإمضاء هو وحده المنشئ للالتزام.

غير أنه إذا كان أحد الأطراف أو كلاهما أميّا فإنّ أحكام الفصل 454 من مجلة الالتزامات  و العقود تكون واجبة التطبيق إذ ينص هذا الفصل على أن "  التزام الأمي الذّي لا يحسن الكتابة لا يمضي حتى يتلقاه عدول أو غيرهم من المأمورين العموميين المأذونين في ذلك ". 

وعلى هذا الأساس فإنّ عدم نفاذ العقد الذّي يمضيه الأمّي إلا بعد تلقيه من قبل مأمور عمومي يوفر له ضمانة مهمّة باعتبار أنّ المأمور العمومي يقوم عادة بتلاوة الكتب المراد الإمضاء عليه على الأمّي حتّى يكون على بيّنة من أمره 

ينص الفصل 377 مكرر من مجلة الحقوق العينية على أنّه "يختّص بتحرير الصكوك  و الاتفاقات الخاضعة للترسيم بالسجل العقاري من يلي :

1- حافظ الملكية العقارية و المديرون الجهويون و كذلك أعوان إدارة الملكية العقارية المكلّفون بمهمّة التحرير

2- عدول الإشهـــــــاد

ويمكن أيضا للمحامين المباشرين من غير المتربصين أن يتولوا تحرير الصكوك و الاتفاقات المذكورة

  تعتبر الصكوك و الاتفاقات المحررة من غير من ذكر باطلة بطلانا مطلقا.

لا تخضع لأحكام هذا الفصل :

- العقود التي تبرمها الدولة و الجماعات المحليّة

- الرهون التي تبرمها المؤسسة البنكية و المالية

- عقود التسويغ التي يجب إشهارها بالترسيم للاحتجاج به على الغير و كذلك عقود تجديده

- رفع الرهن"

وتطبيقا لهذا الفصل يكون تحرير الكتائب المتعلقة بالرهون المسلطة على عقار مسجل من اختصاص الأشخاص المذكورين بهذه الأحكام دون غيرهم فإذا وقع تحرير رهن عقاري على عقار مسجل يكون الكتب باطلا بطلانا مطلقا.

وتجدر الإشارة إلى أنّ مقتضيات الفصل 377 مكرر لم تكن تتضمّن عند سنّها استثناءا لوجوب تحرير الصكوك المتعلقة بالسجل العقاري من قبل بعض الأشخاص المحددين حصرا 

ثمّ أضيفت له فقرة أخرى بموجب القانون عدد84لسنة1992 المؤرخ في 06 أوت 1992

تضمّنت إعفاء الدولة و الجماعات المحليّة في جميع عقودها و المؤسسة البنكية و الماليّة في خصوص الرهون التي تبرمها

ويبدو أنّ المشرّع يولي عناية جدّ كبيرة لمسألة الرهون العقارية بأنّ فرض لتكوينها وجود كتب و فرض عديد التنصيصات الواجب توفرها في صلبه كما فرض في بعض الحالات أن يحرر الكتب من بعض الأشخاص دون غيرهم ولعل هذا التشدّد يبرر بالرغبة في توفير حماية للمتعاملين من جهة و إضفاء حالة من الثقة في هذه التأمينات بما يساهم في تشجيع الاستثمار و تعبئة  التمويل اللازم له غير أنّ الشكلية لا تقف عند هذا الحدّ بل أنّ الكتب بما فيه من تشديد يعتبر في غالب الأحيان غير كاف لتكوين الرهن العقاري ..

اا ـ عدم كفـــاية الـــكتب:

لا يكون الكتب في بعض حالات الرهن كافيا لتكوينه بل تلحق به شكليات أخرى تتعلق أساسا بالرخص الإدارية (أ) و بالترسيم (ب) :

1ـ الرخص الإدارية:

لابد من إيراد توضيح مهم يتعلّق بمعنى الرخص إذ هي موافقة سابقة من السلط المعنيّة على إجراء عمليّة ما أي أنّها موافقة من بعض الجهات الرسمية التّي يحددها القانون على إبرام الرهن العقاري

والرخص الإدارية في مجال الرهن العقاري تحتاج إلى جرد يعتمد مسحا لكل القوانين إذ أنها متفرقة مكانا و زمانا و يمكن الحديث عن نوعين من الرخص الإدارية.

من ناحية أولى رخصة الوالي التي نص عليها الأمر المؤرخ في 04 جوان 1957 المتعلق بالعمليات العقارية في الأراضي الفلاحية و ينص الفصل الأوّل من هذا الأمر على أنه       " يجب لصحة العقود و إلى أن يصدر ما يخالف ذلك أن يرخص والي الجهة الكائن بهذا العقار في جميع عمليات نقل الأملاك بين الأحياء أو حق التصرف فيها و كذلك عمليات تقسيم الملكية... والمبيّنة فيما يلي:

1ـ الإحالة بعوض أو بعنوان مجاني بين الأحياء لكامل حقوق الملكية أو الاستغلال

2ـ تكوين الإنزال

3ـ تكوين الحقوق الموظّفة على العقار...

7ـ تكوين الرهن

و كما هو مبيّن من أحكام هذا الأمر لم يكن الفصل الأول يميز أو يستثني أيّ كان من مقتضياته و كان لابدّ من انتظار سنة 1977 ليقع إعفاء التونسيين أشخاصا طبيعيين أو ذواتا معنوية من وجوب الحصول على هذه الرخصة بموجب المرسوم عدد4لسنة1977 المؤرخ في 21 سبتمبر1977 المتعلق بالعمليات العقارية المصادق عليه بالقانون عدد64لسنة1977 المؤرخ في 26 أكتوبر 1977. كما نصّ الفصل 34 من قانون المالية لسنة2002 المؤرخ في 28 ديسمبر2001 على إعفاء مؤسسات القرض من الحصول على الرخصة المذكورة عند إبرام الرهن العقاري وفي سنة 2005 بموجب القانون عدد40لسنة2005 المؤرخ في 11 ماي 2005 المتعلق بإتمام أمر 04 جوان1957 المتعلّق بالعمليات العقارية وقع إعفاء بعض الأجانب الذّين يقتنون أويكترون بعض الأراضي لغاية انجاز مشاريع صناعية أو سياحية أو لإنجاز مشروع إقتصادي من الحصول على رخصة الوالي .

وينص الفصل الثاني من هذا الأمر على جزاء البطلان المطلق عند مخالفة أحكام الفصل الأول وعدم الحصول على رخصة الوالي غير أنه يجب التمييز بين الكتب المبرم خطيا

  و الذي ينجر عن غياب الرخصة فيه البطلان المطلق الذّي لا يقبل التصديق أو الإمضاء وكذلك عملا بأحكام الفصل329 من مجلة الالتزامات و العقود و بين الصورة التي يكون فيها العقد محررا من قبل عدول إشهاد و التي تبقى فيها صحة العقد الذي حرّر دون الحصول على رخصة الوالي متوقفة على الرخصة المذكورة على أن يقع التنصيص على ذلك صراحة بدفتر المسودات ودون تسليم الطرفين الرسم إلا بعد التحصيل على الرخصة وذلك طبقا لما نصّ عليه الفصل03 من الأمر المذكور.

وليست رخصة الوالي هي الوحيدة التي نصّ عليها القانون و إنّما اقتضى الفصل16 من القانون عدد48لسنة1996 المؤرخ في 10جوان1996 المتعلّق بتنقيح و إتمام القانون المؤرخ في 13 فيفري 1995 المتعلق بالعقارات الدولية الفلاحية أنّه " لا يمكن رهن حق الانتفاع إلا بترخيص من الوزير المكلف بأملاك الدولة "

ومن الواضح أنّ الغرض من فرض الحصول على ترخيص وزير أملاك الدولة و الشؤون العقارية تمكين الوزارة من إجراء رقابتها على كيفية الانتفاع بالعقارات الفلاحية التّابعة للدولة حتّى يقع استغلالها في الغرض الاقتصادي بما يكفل تطوير الإنتاج الفلاحي وحتّى يقع تفادي رهن الانتفاع بالعقارات الفلاحية لأجل الحصول على قروض لا تخدم مصلحة الهدف المنشود وهو تطوير الفلاحة بل لخدمة أغراض خاصة

وعلى خلاف أمر 1957 لم يبين المشرع ضمن قانون 1996 جزاء غياب الرخصة الإدارية المسلمة من وزير أملاك الدولة  و الشؤون العقارية ، غير أنه يمكن اعتبار أنّ هذه الرخصة بمثابة الشرط الشكلي الذّي لا يمكن لعقد الرهن العقاري المسلط على الانتفاع بالعقار الفلاحي الدولي أن يتمّ من دونه

يتضح إذن أنّ غياب الرخصة الإدارية ينجر عنه جزاء البطلان أو الوقف وهو الجزاء الأصلي غير أن المشرع لم يكتف بهذا الجزاء بل أردفه بجزاء آخر ورد بالفصل 02 من أمر1957 من خلال إثارة بطلان الصكّ المقدم للترسيم تطبيقا لمبدأ شرعية الترسيمات الذّي يوجب على مدير الملكية العقارية أن يتحقق من " هوية الأطراف و أهليتهم ومن صحة الوثائق المدلى بها تأييدا لمطلب الترسيم " مثلما نصّ على ذلك الفصل389 من مجلة الحقوق العينيّة

2ـ الــتّرسيـــم:

تخص عملية الترسيم العقارات المسجلة بإدارة الملكية العقارية حتى إذا ضرب رهن على عقار مسجل وجب ترسيم ذلك الرهن بالسجل العقاري تطبيقا للفصل 373 من مجلة الحقوق العينية وقد نص الفصل 305 من نفس المجلة على جزاء عدم الترسيم بالسّجل العقاري إذ اقتضى أن " كل حق عيني لا يتكون إلا بترسيمه بالسجل العقاري و ابتداء من تاريخ ذلك الترسيم...

كما نص المشرع ضمن الفصل 278 من المجلة المذكورة على أن " لا يتكون الرهن العقاري إلا بعد ترسيمه ويرتب بين الرهون العقارية حسب القواعد المنصوص عليها بهذه المجلّة" 

وقد تغيرت نظرة المشرّع ضمن هذه الفصول من اعتبار الترسيم شرطا للمعارضة إلى شرط لتكون الحقّ العيني أساسا حتّى أنه على من يضرب رهنا على عقار مسجل أن يبادر بترسيم رهنه و إلاّ اعتبر حقه العيني في حكم العدم ، فالتاريخ التشريعي العقاري كان متراوحا بين اعتماد الترسيم كشرط لتكون الحق وبين اعتماده كمجرد شرط للمعارضة ، إذ في مرحلة أولى تضمّنت المجلة العقارية موقف الترسيم كشرط لتأصل الحقّ ثمّ وقع العدول عن هذا الموقف بمقتضى الأمر العليّ المؤرخ في 16ماي 1885 ليعتبر الترسيم شرطا للمعارضة فقط ولكن بعد أكثر من قرن تفطن المشرّع إلى وجاهة موقفه القديم ليعود إليه لسنة 1992 ولكنّه عاد إليه مثقلا بهموم رسوم عقارية تراكم عليها التجميد و أنّت بأوزار وضعيات مستعصية تطلب حلاّ ولا تدركه

وبالرغم من وضوح الأحكام التّي تنصُّ على أنّ الحقّ العيني لا يتكون إلا من يوم ترسيمه بالسجل العقاري و إذا كان عدم الترسيم ينتج عنه عدم تكون الحقّ العيني العقاري فما هو مصير عقد الرهن

يرى بعض الشارحين أنّ الحق العيني يحتاج إلى وعاء مكتوب يحويه حتى يمكن ترسيمه إذ لا يمكن ترسيم حق عيني بغير سند مكتوب، ومن هنا يرسم العقد وبالتبعية يرسم الحق العيني.

وعلى هذا الأساس فإنّ التفريق بين حق الرهن وعقد الرهن مجرد تحليل نظري إذ لا يتوقع تطبيقا فصل العمليتين عن بعضهما البعض رهنا ولا انفصالهما موضوعا.

فلو أنّ طرفين حررا عقد الرهن و لكن إدارة الملكية العقارية رفضت الترسيم لأنّ العقد خال من بعض التّنصيصات التي تهم العقار مثلا ففي هذه الحالة لا يتكوّن الحق العيني العقاري ولكن استمرار صحة العقد يمكن الأطراف فقط من إبرام عقد تكميلي يتضمّن البيانات المنقوصة أمّا إذا كان العقد باطلا فإنّ الطرفين يحتاجان إلى إبرام عقد جديد.

ليس تعدد الشكليات هو المعضلة الوحيدة التي يمكن للرهن العقاري أن يُعاني منها بالرغم من إيجابياتها التي هي أبعد من أن يُستهان بها، ذلك أنّ غياب نظرية عامة واضحة للتأمينات العينية يشكل إحدى أهم المشكلات التطبيقية التي تطرح منذ بضع السنوات على طاولة الحقوقيين وتلح على المشرّع للتدخّل من أجل ترتيب التأمينات الموجودة و صياغة أحكام متناسقة  تنظم تزاحم الدائنين و تحدد مراتبهم عند الخلاص.

dourouby.tn

ليست هناك تعليقات

-- --