دليل الطلاق في القانون التونسي
دليل الطلاق في القانون التونسي
![]() |
![]() |
![]() |
يغلب اتجاه مؤشّر الطلاقية إلى الانخفاض خلال الستينات وخاصة في أواخرها لتصل النسبة إلى حد طلاق واحد على 10 زيجات. أما في السبعينات والثمانينات فقد اتجهت المؤشرات العامة إلى الارتفاع النسبي والمستقر، لكنها ستعرف طفرة نوعية وارتفاعا حادّا وصل إلى حد مطلّق واحد على أربع زيجات (4/1)، وهي أعلى نسبة لمؤشّر الطلاق في تونس خلال العقود الأربعة والنصف الأخيرة.
منذ بداية التسعينات عرفت مؤشرات الطلاق تراجعا ملحوظا مقارنة بأواخر الثمانينات (1 على 4 سنة 1989) فقد وصلت إلى واحد على 5 سنة 1991 ثم واحد على 7 سنة 1994 ثم واحد على 6 سنة 1997 ثم واحد على 7 من جديد سنة 1999. وبقي المؤشر يراوح بين النزول والصعود خلال التسعينات حتى بداية القرن. ويمكن ردّ أسباب هذا التراجع إلى عوامل دالة، اتصل أغلبها بالتحويرات التشريعية الحاصلة في بداية التسعينات والتي مسّت بالتحوير والتنقيح بعض بنود المجلة. وقد استجابت تلك التحويرات لتطورات ملحة وقعت في الحياة الأسرية الاجتماعية ومسّت أساسا وضع المرأة (التعليم، المشاركة المكثفة في الدخل المادّي للعائلة، الانخراط في الحياة السياسية...). ومن أهم هذه التحويرات التشريعية نذكر ما يلي:
39
40
41
42
43
44
45
المبحث الأول : أنواع الطلاق في تونس
حسبما جاء في الفصل 30 من مجلة الأحوال الشخصية لا يقع الطلاق إلاّ لدى المحكمة بموجب حكم قضائي و أنواع الطلاق حددها الفصل 31 من مجلة الأحوال الشخصية وهي ثلاثة:
- الطلاق بالتراضي بين الزوجين ويتم بالاتفاق بينهما. ولا يثبت هذا الاتفاق إلاّ متى تم تأكيده أمام القاضي. ويمكن أن يتعلق الاتفاق بمبدأ الفراق وبآثار الطلاق.
- الطلاق للضّرر الحاصل لأحد الزوجين من الآخر. ومفهوم الضرر هنا كأوسع ما يكون وتقدّره المحكمة حسب اجتهادها وفي ضوء ملابسات كل قضية.
- الطلاق إنشاء من الزّوج أو برغبة خاصة من الزّوجة.
وبالتالي فعلى طالب الطلاق أن يُبين في عريضة الدعوى أي نوع من الطلاق يطلب.
وفي كل الحالات، وحسب الفصل 32 من مجلة الأحوال الشخصية، فإن القاضي لا يصدر الحكم بالطلاق مهما كان السبب القانوني إلا بعد القيام بمحاولات صُلحيّة وُجوبيّة بين الزوجين.
الفقرة الأولى : الطلاق للضرر
الطلاق للضرر هو ذلك الطلاق الذي يطلبه أحد الزوجين المتضرر من العلاقة الزوجية ويقع إثبات الضرر عن طريق جميع وسائل الإثبات المعتمدة قانونا كشهادة الشهود والعنف اللفظي والجسدي والإهمال وعدم الإنفاق ضرر يمكن على أساسه المطالبة بالطلاق للضرر.
ماهي إجراءات التقاضي في الطلاق؟
بما أن الطلاق لا يصدر في تونس إلا بحكم قضائي (الفصل 31 مجلة الأحوال الشخصية) فإن إجراءات التقاضي لا تختلف جوهريا عن الإجراءات المتبعة في عموم القضايا المدنية بالرغم مما لها من خصوصية. وتجدر الملاحظة أن توكيل المحامي غير وجوبي في قضايا الطلاق في الطور الابتدائي في حين أن إنابة المحامي وجوبية لدى محكمة الاستئناف ولدى التعقيب. ويمكن تصنيف إجراءات التقاضي في الطلاق بحسب مراحل ثلاث :
1- مرحلة الإجراءات الأولية :
بتولي مدعي الطلاق من الزوجين تكليف عدل منفذ بإستدعاء الطرف الآخر للمثول أمام قاضي الأسرة المنتصب في المحكمة التي يقع بدائرتها مقر المطلوب ويبلغ العدل المنفذ الإستدعاء إلى القرين المطلوب :
- إما بصفة شخصية إذا وجده بمقره وتحقق من هويته وسلمه الإستدعاء مباشرة
- أو بصفة قانونية إذ لم يجد العدل المنفذ القرين المطلوب بمقره ووجد قريبا أو خاذما مساكنا له تسلم الإستدعاء نيابة مع الإلتزام بتبليغه له.
- أو بصفة قانونية إذ لم يجد العدل المنفذ القرين المطلوب بمقره و لا أي شخص أخر مساكن له.
- عندئذ يضع له نسخة من الإستدعاء تحت الباب وأصله بمركز الأمن الأقرب لمقره ويوجه له إستدعاء بواسطة مكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ.
وتفاديا لكل تلاعب في تبليغ الإستدعاء نص الفصل 32 مكرر من مجلة الأحوال الشخصية " أنه إذا تحايل أحد الزوجين لغاية عدم بلوغ الإستدعاء إلى الطرف الأخر، يعاقب بالسجن لمدة عام" والملاحظ أن المشرع التونسي يحرض القضاء المختص على إعتماد الإستدعاء بصفة شخصية دون سواه تفاديا لكل إمكانية صدور "حكم طرق غيابي" لهذا السبب ينص الفصل 32 من مجلة الأحوال الشخصية على أنه إذا لم يحضر القرين المدعي عليه ولم يبلغ الإستدعاء لشخصه يأجل قاضي الأسرة النظر في القضية ويستعين بمن يراه (كاتب المحكمة، عون أمن،عدل منفذ........ ) لإستدعاء المعني بالأمر شخصيا أو لمعرفة مقره الحقيقي لاستدعائه منه ويمكن أن تتكرر المحاولة أكثر من مرة حتى يحضر القرين المدعي عليه لدى قاضي الأسرة.
وحسب الفقرة الأخيرة من الفصل 70 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية فإن أجل تبليغ الاستدعاء للقرين المطلوب لا يقل عن 21 يوما قبل تاريخ الجلسة المعينة لها القضية. ويقع التمديد في هذا الأجل إلى 60 يوما إذا كان القرين المطلوب يقطن خارج التراب التونسي.
2- مرحلة المحاولة الصلحية :
حرصا من المشرع التونسي على إرجاع العلاقة بين الزوجين وتفادي الطلاق والمحافظة على الأسرة قدر الإمكان، أوجب الفصل 32 من مجلة الأحوال الشخصية أن لا يصدر حكم الطلاق إلا بعد أن يبذل قاضي الأسرة جهدا في محاولة الصلح بين الزوجين ويعجز عن ذلك.
ولقد جرى العمل على أن تقع محاولة الصلح بمكتب قاضي الأسرة داخل مقر المحكمة الإبتدائية المختصة في يوم وساعة يحددهما قاضي الأسرة بصفة مسبقة المنصوص عليها من قبل العدل المنفذ بالإستدعاء البالغ إلى المطلوب.
وتجري المحاولة الصلحية ثلاث مرات عند وجود طفل قاصر لدى الزوجين، على ان تعقد الواحدة منها ثلاثين يوما على الأقل بين الأخرى ويمكن الإكتفاء بجلسة واحدة في صورة الطلاق بالتراضي.
والملاحظ أنه عند فشل المحاولة الصلحية، يتولى قاضي الأسرة وجوبا، ولو بدون طلب من أحد الزوجين، إتخاذ جميع القرارات الفورية الخاصة بسكنى الزوجين وبنفقة الزوجة والأبناء وبالحضانة وزيارة المحضون، ولكن يمكن للطرفين أن يتفق صراحة على ترك هذه المسائل كلا أو بعضا، ما لم تكن مخالفة لمصلحة الأبناء القصر. ولا يجوز التنازل فيما يتعلق بحقوق الأبناء القصر كنفقتهم مثلا،
وحتى لا تتعطل إجراءات الطلاق، يسمح المشرع لقاضي الأسرة بأن يقدر النفقة بناءا على ما تجمع لديه من عناصر عند محاولة الصلح (تصريحات الزوجين ومؤيداتهما أساسا)
وللصبغة المعيشية للقرارات الفورية الصادرة عن قاضي الأسرة فهي تنفذ على المسودة (أي بناء على محضر المحاولة الصلحية المحرر بخط يد قاضي الأسرة ما لم يصدر بعد الحكم في الأصل.)
3- مرحلة الحكم :
تقضي المحكمة الإبتدائية المتعهدة بالقضية إبتدائيا في دعوى الطلاق، بعد فترة تأمل تدوم الشهرين قبل طور المرافعة.كما تقضي في كل ما يتعلق بأثار الطلاق (حضانة الأبناء وزيارتهم ونفقتهم، ونفقة العدة، والغرامة التعويضية لمن تضرر من الزوجين من الطلاق) فالمحكمة تبت وجووبا في الوسائل المتأكدة موضوع القرارات الفورية الصادرة عن قاضي الأسرة. وفي هذا الصدد، وحفاظا على الأسرة والأبناء، تنفذ رغما عن الإستئناف أو التعقيب أجزاء الحكم المتعلقة بالحضانة والنفقة والسكنى وحق الزيارة، وكذالك بجراية المطلقة إن كانت الزوجة هي المتضررة من الطرق وحكم بالتعويض لها عن ضررها المادي في قالب جراية عمرية (الفصل 32 من مجلة الأحوال).
والملاحظ أن حكم الطلاق يخضع لإمكانية الطعن بالإستئناف والتعقيب مثل كل الأحكام الصادرة عن القضاء المدني.
كما تجدر الإشارة إلى أن التعويض عن الطلاق يستحقه من تضرر من الزوجين، لقاء ضرره المعنوي وضرره المادي الناجمين عن الطلاق، وذالك في صورتي الطلاق بناء على طلب أحد الزوجين بسبب ما حصل له من ضرر أو بناء على الطلاق إنشاء (الفصل 31 من مجلة الأحوال الشخصية).
ويخصص المشرع التونسي المرأة بإمتياز إذ يرجع إلى المطلقة حق إختيار التعويض عن ضررها المادي في شكل رأس مال يسند لها دفعة واحدة أو في شكل جراية عمرية تدفع لها إنطلاقا من إنقضاء عدتها (حيث يتوقف حقها في نفقة المعتدة) وذالك بحلول كل شهر.
وتقدر المحكمة هذه الجراية بحسب ما أعتادته الزوجة من مستوى عيش في ضل الحياة الزوجية (مأكل ومشرب ولبس وسكنى.........) كما تراعى في تقديرها سن المطلقة. وهي قابلة للمراجعة ارتفاعا وإنخفاضا بحسب ما يطرأ على حياة المطلقين من متغيرات. كما تستمر إلى أن تتوفى المفارقة أو يتغير وضعها الاجتماعي بزواج جديد.
الفقرة الثانية : الطلاق انشاء
عملا بالفصل 31 من مجلة الأحوال الشخصية عندما يحكم بالطلاق بناء على الرغبة الأحادية لأحد الزوجين، تقضي المحكمة لمن تضرر من الزوجين بتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الناجم عن الطلاق. وبالنسبة إلى المرأة يعوّض لها عن الضرر المادي بجراية تدفع لها بعد انقضاء العدّة مشاهرة وبالحلول على قدر ما اعتادته من العيش في ظلّ الحياة الزوجية بما في ذلك المسكن. وهذه الجراية قابلة للمراجعة ارتفاعا وانخفاضا بحسب ما يطرأ من متغيرات. وتستمرّ هذه الجراية إلى أن تتوفّى المفارقة أو يتغيّر وضعها الاجتماعي بزواج جديد أو بحصولها على ما تكون معه في غير حاجة للجراية. وهذه الجراية تصبح دينا على التركة في حالة وفاة المفارق وتصفى عندئذ بالتراضي مع الورثة أو على طريق القضاء بتسديد مبلغها دفعة واحدة يراعى فيها سن المطلقة في ذلك التاريخ، كلّ ذلك ما لم تختار التعويض لها عن الضرر المادي في شكل رأس مال يسند لها دفعة واحدة.
فالآثار القانونية المنجرّة عن الطلاق إنشاء هي باختصار التعويض المادي والمعنوي لمن لم يطلب الطلاق، بصرف النظر عن الآثار الأخرى العامّة المتعلّقة بحضانة الأبناء وزيارتهم ونفقتهم، ونفقة المطلّقة المعتدّة وسكناها. وهي آثار تترتّب عن دعوى الطلاق، مهما كان نوعه.
الفقرة الثالثة : الطلاق بالتراضي
الطلاق بالتراضي هو إتفاق بين الزوجين ويكون إتفاقا كتابيًا حول مبدأ الطلاق وحول آثار الطلاق : يعني النفقة، الحضانة، السكن وترفع دعوى الطلاق بالاتفاق بين الزوجين مباشرة إلى المحكمة الإبتدائية بعريضة مشتركة بين الزوجين ويحررها محام أي بعريضة من أحدهما وصادق عليهما الثاني أمام قاضي الأسرة
في حالة الطلاق بالتراضي: إذا اتجهت إرادة الطرفين إلى الطلاق واتفقا على ذلك بأن أدركا استحالة استمرار العشرة الزوجية بينهما فإن القاضي لا يملك سوى الإشهاد لهما على الاتفاق الحاصل بينهما، فإذا تنازلت المطلقة على حقها في التعويض فإنه يشير إلى ذلك في الحكم وقد يعرض عليها المطلق مبلغ مالي مقابل الطلاق بالتراضي فتقبل به
الطلاق بالتراضي هو إتفاق بين الزوجين ويكون إتفاقا كتابيًا حول مبدأ الطلاق وحول آثار الطلاق : يعني النفقة، الحضانة، السكن وترفع دعوى الطلاق بالاتفاق بين الزوجين مباشرة إلى المحكمة الإبتدائية بعريضة مشتركة بين الزوجين ويحررها محام أي بعريضة من أحدهما وصادق عليهما الثاني أمام قاضي الأسرة. مع العلم أن تكليف محامي غير وجوبي في الطور الابتدائي
ينصّ الفصل 31 من مجلة الأحوال الشخصية على أنّه "... يقضى لمن تضرر من الزوجين بتعويض عن الضررالمادي والمعنوي الناجم عن الطلاق في حالتين، الأولى في حالة الطلاق بناء على طلب احد الزوجين، أو في حالة الطلاق بناء على رغبة الزوج انشاء الطلاق أو مطالبة الزوجة به.
بالنسبة للمرأة يعوّض لها عن الضرر المادي بجراية شهرية تدفع لها بعد انقضاء العدة وبالحلول على قدر ما اعتادته من العيش في ظلّ الحياة الزوجية بما في ذلك المسكن.
وهذه الجراية قابلة للمراجعة ارتفاعا وانخفاضا بحسب ما يطرأ من متغيرات. وتستمرّ إلى أن تتوفّى المطلقة أو يتغيّر وضعها الاجتماعي بزواج جديد أو بحصولها على ما تكون معه في غنى عن الجراية.
وهذه الجراية تصبح دينا على التركة في حالة وفاة المطلق وتصفى عندئذ بالتراضي مع الورثة أو عن طريق القضاء بتسديد مبلغها دفعة واحدة يراعى فيها سنها في ذلك التاريخ، كلّ ذلك ما لم تخير التعويض لها عن الضرر المادي في شكل رأس مال يسند لها دفعة واحدة".
ويفهم من هذه الصياغة التشريعية بوضوح أنّ المطلقة هي التي تختار شكل التعويض لها عن ضررها المادي. فلها وحدها أن تخيّر الحصول على رأس مال جملي أو على جراية عمرية. ولم يقم المشرّع بتمييز على أساس الوضعية المهنية للمطلّقة عند طلب الجراية، بحيث تكون التي تعمل ولها مرتّب قار محقّة أيضا في طلب جراية عمرية تعويضية إن شاءت.
المبحث الثاني : النفقة
يتم الحكم بالنفقة إمّا من قبل المحكمة الابتدائية صلب حكم الطلاق، باعتبار نفقة المطلّقة طيلة فترة العدة ونفقة الأبناء مادام الموجب القانوني قائما أثرا من آثاره.
- وإمّا من قبل محكمة الناحية صلب قضية مستقلّة، سابقة أو لاحقة لقضية طلاق.
وفي كلتا الحالتين، يتمّ إعلام المحكوم ضدّه بواسطة عدل منفّذ بالحكم الصادر ضده بأداء النفقة لمن يستحقّها، ويحرّر محضر في ذلك الإعلام.
ونظرا لصبغته المعاشية ينفذ الحكم القاضي بالنفقة بقطع النظر عن استئنافه (الفصل 39 مجلة المرافعات المدنية والتجارية). ويتمّ تنفيذه بأحد الطرق التالية:
- بخضوع المحكوم عليه طوعيا لدى إعلامه بالحكم،
- بالحجز على مرتّب المدين بالنفقة وإجراء عقلة عليه طبق القانون،
- برفع شكاية إلى وكيل الجمهورية، عند امتناع المدين بالنفقة عن الدفع لمدّة تفوق شهرا واحدا من تاريخ إعلامه بالحكم الصادر ضده، وطلب تتبّعه عدليا على أساس الفصل 53 مكرّر من مجلة الأحوال الشخصية. وهذه التتبّعات تمثّل وسيلة ضغط كافية على المدين بالنفقة من شأنها إجباره على دفع مبلغها تفاديا للعقوبة الجزائية، خصوصا وأنّ الأداء في هذه الجرائم يوقف التتبّعات وآثار المحاكمة.
أمّا إذا كان المدين بالنفقة مقيما بالخارج، فأنّه يقع التنفيذ عليه بتطبيق بنود الاتفاقيات الثنائية للتعاون القضائي.
وفي كلّ الحالات، فأنّه عند تلدّد المدين بالنفقة، تتمتع المطلّقة، في حق نفسها وحق أبنائها بحقّ الانتفاع بخدمات صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق، حفاظا عن الصبغة المعيشية للنفقة، ثمّ الرجوع على المحكوم عليه لاسترجاع المبلغ، باستعمال ما يلزم من إجراءات الجبر القانونية المتاحة.
المبحث الثالث: الحضانة
فقرة 1: شروط إسناد الحضانة
كما وضع المشرع شروطا اخرى بالفصل 59، حيث نص على انه «اذا كانت مستحقة الحضانة من غير دين أب المحضون، فلا تصح حضانتها، الا إذا لم يتم المحضون الخامسة من عمره، وألّا يخشى عليه ان يألف غير دين ابيه. ولا تنطبق احكام هذا الفصل على الأم إذا كانت هي الحاضنة»، وهنا لا يشترط لصحة حضانة الأم اتحادها في الدين مع أب المحضون، باعتبار أنّ الأم أحق بالحضانة، حتى وإن كانت على غير دين الأب، إلا متى تبين أن في حضانتها خطر على المحضون. أما إذا كانت الحضانة لغير الأم فوجب احترام مقتضيات الفصل 59.
الفقرة 2 : إلى متى تستمر الحضانة؟
سكنى الحاضنة بمنزل والديها : السؤال المطروح هنا هو: هل يجب على الأب إسكان الحاضنة، أم أنه إذا كانت الحاضنة ساكنة بمحل والدها انتفى لزوم إسكانها؟
يحدث في بعض الأحيان أن تفضل الحاضنة اللجوء إلى محل والديها للإقامة به صحبة المحضون رغم انتفاعها بمنحة سكن، وقد أقر فقه القضاء التونسي في القرار التعقيبي عدد 64311 المؤرخ في 15 جوان 1998، أنه «على الأب إسكان حاضنة أبنائه إن لم يكن لها مسكن خاص، وسكنها مع والديها لا يعفي الأب من هذا الواجب، لأن المعني الأصلي بالإسكان هو المحضون لا الحاضنة»، كما أقرت في قرار تعقيبي آخر لها عدد 2858 المؤرخ في 1 أكتوبر 2004، أن سكنى الزوجة الحاضنة بمنزل والديها لا يحول دون الحكم لها بمنحة سكن، حيث أن عبارة الفصل 56 من مجلة الأحوال الشخصية واضحة في فهمها ومعناها بكون الحاضنة إذ لم يكن لها سكن فعلى الأب إسكانها مع المحضون وعليه فإن الدفع بأن الأم تسكن مع والديها لا ينفي عن الأب لزوم إسكانها وعليه فإن قضاء المحكمة بإلزام الأب بأداء منحة سكن للحاضنة للسكن مع محضونتها مطابق لأحكام القانون الواضحة والصريحة.
وبالتالي يستنتج من مقتضيات مجلة الأحوال الشخصية أن المشرّع رجح في جميع الأوضاع مراعاة مصلحة المحضون الفضلى عند البت في مسألة حضانته.
الفقرة 3 : سقوط الحضانة
ويمكن للقاضي أن ينزع الحضانة ممن أسندت إليه، إذا لم يستطع ممارستها أو تعسف فيها أو تهاون في القيام بالواجبات المنجرة عنها على الوجه الاعتيادي، أو أصيب بمرض معد يهدد صحة الطفل أو بات يسيء معاملته، أو لأي سبب آخر يضر بمصلحة المحضون (تنزع الحضانة اذا تمت مخالفة مقتضيات الفصل 58 من مجلة الاحوال الشخصية).
وفي حال سافرت الحاضنة سفرا يجعل لقاء الولي بالمحضون صعبا أو مستحيلا، فإنها تفقد حقها في الحضانة، وقد نص الفصل 61 من مجلة الاحوال الشخصية على انه «اذا سافرت الحاضنة سفر نقلة مسافة يعسر معها على الولي القيام بواجباته نحو منظوره سقطت حضانتها».
وتبقى مصلحة المحضون هي المقياس الجوهري والمعيار الوحيد المعتمد في اسناد الحضانة، وهو ما يقتضي البحث عمن تتوفر فيه الشروط التي استوجبها القانون، حيث انه من اهم ركائز مصلحة المحضون، ضمان التوازن النفسي والعاطفي، ومن الضروري تفادي تجميع دور الام المتصل بالحنان والعاطفة ودور الاب المتمثل في السلطة الواعية والمرشدة في شخص أحد الابوين فقط، مما يحدث اضطرابا نفسيا في نشأة الطفل المحضون، قد تكون نتائجه سلبية، ولا يمكن تفاديها في المستقبل.
هل يمكن أن يؤثّر سلوك الأم على حقها في الحضانة؟
كل الفصول الواردة في باب الحضانة في مجلة الأحوال الشخصية أكدت على ضرورة مراعاة مصلحة المحضون عند النظر في إسناد الحضانة وهو ما خوّل للقضاء سلطة تقديرية موسعة جعلته ينفي حق الزوجة في حضانة المحضون طالما أثبت البحث والتقصي أن سلوكها مشين وسيء وينم عن هتك لشرف وقدسية الحياة الزوجية، من ذلك ما ورد في القرار التعقيبي عدد 9237 مؤرخ في 13 أفريل 2006 والذي نص على أنه «طالما ثبت من الأبحاث المجراة في القضية مكتبيا أو بواسطة أعوان التنمية الاجتماعية أن الزوجة ألحقت بزوجها ضررا جما بتعمدها ربط علاقات غير شرعية بغيره من الرجال وهتك شرفه والاعتداء على قدسية الحياة الزوجية فإن مصلحة البنت في حضانتها من طرف والدها».
هل يمكن للأم التي تزوّجت بزوج آخر بعد الطلاق أن تستردّ حضانة أبنائها من مطلّقها الأوّل؟
في حال نزعت الحضانة من الأمّ على أساس زواجها بزوج جديد، فإنّه يمكنها بعد الطلاق من هذا الزوج الجديد أن تستردّ حضانة أبنائها من مطلّقها الأوّل، طبعا إذا كانت مصلحة المحضون معها، وذلك إذا ما توفرت شروط محددة وهي إذا رأت المحكمة خلاف ذلك اعتبارا لمصلحة المحضون، أوإذا كان زوج الأمّ محرّما على المحضونة، أو إذا سكت من له الحضانة مدّة عام بعد علمه بالدخول ولم يطلب حقّه فيها، أو في صورة ما إذا كانت الأمّ مرضعا للمحضونة أو كانت أمّا ووليّة عليها في آن واحد.
المبحث الرابع : إجراءات التقاضي في الطلاق
بما أنّ الطلاق لا يصدر في تونس إلا بحكم قضائي (الفصل 31 مجلة الأحوال الشخصية)، فإن إجراءات التقاضي لا تختلف جوهريا عن الإجراءات المتّبعة في عموم القضايا المدنية بالرغم ممّا لها من خصوصية. وتجدر الملاحظة أن توكيل المحامي غير وجوبي في قضايا الطلاق في الطور الابتدائي ( الفصل 68 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية) في حين أن إنابة المحامي وجوبية لدى محكمة الاستئناف ولدى التعقيب. ويمكن تصنيف إجراءات التقاضي في الطلاق بحسب مراحل ثلاث:
الفقرة 1 : مرحلة الإجراءات الأوّليّة: الإستدعاء:
يتولى مدّعي الطلاق من الزّوجين تكليف عدل منفّذ باستدعاء الطرف الآخر للمثول أمام قاضي الأسرة المنتصب في المحكمة التي يقع بدائرتها مقر المطلوب (الفصل 69 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية).
ويبلغ العدل المنفذ الاستدعاء إلى القرين المطلوب:
- إما بصفة شخصية إذا وجده بمقرّه وتحقّق من هويّته وسلّمه الاستدعاء مباشرة
- أو بصفة قانونيّة إذا لم يجد العدل المنفّذ القرين المطلوب بمقرّه ووجد قريبا أو معينا منزليا مساكنا له تسلّم الاستدعاء نيابة عنه مع الالتزام بتبليغه له.
- أو بصفة قانونيّة إذا لم يجد العدل المنفّذ القرين المطلوب بمقرّه ولا أيّ شخص آخر مساكن له. عندئذ يضع له نسخة من الاستدعاء تحت الباب وأصله بمركز الأمن الأقرب لمقرّه ويوجّه له استدعاء بواسطة مكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ.
وتفاديا لكل تلاعب في تبليغ الاستدعاء، نص الفصل 32 مكرر من مجلة الأحوال الشخصية على أنه "إذا تحايل أحد الزوجين لغاية عدم بلوغ الاستدعاء إلى الطرف الآخر، يعاقب بالسجن مدة عام"
والملاحظ أنّ المشرّع التونسي يحث المحكمة المختصّة على اعتماد الاستدعاء بصفة شخصيّة دون سواه تفاديا لكلّ إمكانيّة صدور "حكم طلاق غيابي". لهذا السبب، ينص الفصل 32 من مجلة الأحوال الشخصيّة على أنه إذا لم يحضر القرين المدّعى عليه ولم يبلغ الاستدعاء لشخصه يؤجّل قاضي الأسرة النّظر في القضيّة ويستعين بمن يراه (كاتب المحكمة، عون أمن، عدل منفّذ...) لاستدعاء المعني بالأمر شخصيّا أو لمعرفة مقرّه الحقيقي واستدعائه منه. ويمكن أن تتكرّر المحاولة أكثر من مرّة حتّى يحضر القرين المدّعى عليه لدى قاضي الأسرة.
- وحسب الفقرة الأخيرة من الفصل 70 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية فإن أجل تبليغ الاستدعاء للقرين المطلوب لا يقل عن 21 يوما قبل تاريخ الجلسة المعينة لها القضية. ويقع التمديد في هذا الأجل إلى 60 يوما إذا كان القرين المطلوب يقطن خارج التراب التونسي.
الفقرة 2 : مرحلة المحاولة الصلحيّة
حرصا من المشرّع على تفادي الطّلاق قدر الإمكان، أوجب الفصل 32 من مجلة الأحوال الشخصية أن لا يصدر حكم الطّلاق إلاّ بعد أن يبذل قاضي الأسرة جهدا في محاولة الصّلح بين الزّوجين ويعجز عن ذلك.
ولقد جرى العمل على أن تقع محاولة الصّلح بمكتب قاضي الأسرة داخل مقرّ المحكمة الابتدائيّة المختصّة في يوم وساعة يحدّدهما قاضي الأسرة بصفة مسبقة و ينص عليهما العدل المنفّذ في الاستدعاء المبلغ إلى المطلوب.
وتجري المحاولة الصلحيّة ثلاث مرّات عند وجود طفل قاصر أو أكثر لدى الزّوجين، على أن تعقد الواحدة منها ثلاثين يوما على الأقل بعد سابقتها. ويمكن الاكتفاء بجلسة واحدة في صورة الطلاق بالتراضي
والملاحظ أنّه عند فشل المحاولة الصلحيّة، يتولّى قاضي الأسرة وجوبا، ولو بدون طلب من أحد الزّوجين، اتخاذ جميع القرارات الفوريّة الخاصّة بسكنى الزّوجين وبنفقة الزّوجة والأبناء وبالحضانة وزيارة المحضون. ولكن، يمكن للطّرفين أن يتّفقا صراحة على ترك هذه المسائل كلاّ أو بعضا، ما لم تكن مخالفة لمصلحة الأبناء القصّر. ولا يجوز التنازل في ما يتعلق بحقوق الأبناء القصر كنفقتهم مثلا.
وحتّى لا تتعطّل إجراءات الطّلاق، يسمح المشرّع لقاضي الأسرة بأن يقدّر النّفقة بناء على ما تجمّع لديه من عناصر عند محاولة الصّلح (تصريحات الزّوجين ومؤيّداتهما أساسا).
و نظرا للصبغة المعيشية للقرارات الفوريّة الصّادرة عن قاضي الأسرة فهي تنفّذ على المسودّة (أي بناء على محضر المحاولة الصلحيّة المحرّر بخطّ يد قاضي الأسرة والممضى من قبله). وهي قرارات لا يمكن استئنافها ولا تعقيبها، لكنّها قرارات قابلة للمراجعة من قبل قاضي الأسرة ما لم يصدر بعد الحكم في الأصل.
ملاحظة: حفاظا على كيان الأسرة، لا تنتهي إمكانية الصلح بين الزوجين بصدور الحكم الابتدائي بل أنّ المشرّع التونسي ترك هذه الإمكانية متاحة سواء كان أمام محكمة الاستئناف أو حتى لدى محكمة التعقيب. علما وأنّ الفصل 194 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية يعتبر أنّ الطعن بالتعقيب لا يوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، إلاّ في حالات خاصّة منها حكم الطلاق، بحيث يكون باب التصالح بين الزوجين مفتوحا على مصراعيه خلال كامل أطوار التقاضي.
3- مرحلة الحكم:
تقضي المحكمة الابتدائيّة المتعهّدة بالقضيّة ابتدائيّا في دعوى الطّلاق، بعد فترة تأمّل تدوم شهرين قبل طور المرافعة. كما تقضي في كلّ ما يتعلّق بآثار الطّلاق (حضانة الأبناء وزيارتهم ونفقتهم، ونفقة العدة، والغرامة التعويضيّة لمن تضرّر من الزّوجين من الطّلاق). فالمحكمة تبتّ وجوبا في الوسائل المتأكّدة موضوع القرارات الفوريّة الصّادرة عن قاضي الأسرة.
والملاحظ أنّ حكم الطّلاق يخضع لإمكانيّة الطّعن بالاستئناف والتّعقيب مثل كلّ الأحكام الصّادرة عن القضاء المدني. وفي كلا الحالتين، يمكنها اتّخاذ أحد هذين الموقفين: إمّا مواصلة الدفاع عن حقوقها بتقديم ما لديها من ملحوظات ومؤيدات إضافية، وإمّا التراجع أساسا في دعوى الطلاق المقامة من قبلها والرجوع إلى مقر الزوجيّة، إن لم ير الزوج مانعا في ذلك.
وحفاظا على المصالح الحياتيّة للزّوجين والأبناء، تنفّذ رغما عن الاستئناف أو التّعقيب أجزاء الحكم المتعلّقة بالحضانة والنّفقة والسّكنى وحقّ الزّيارة، وكذلك بجراية المطلّقة إن كانت الزّوجة هي المتضرّرة من الطّلاق وحكم بالتّعويض لها عن ضررها المادّي في قالب جراية عمريّة (الفصل 32 من مجلّة الأحوال الشخصيّة).
كما تجدر الإشارة إلى أنّ التّعويض عن الطّلاق يستحقّه من تضرّر من الزّوجين، لقاء ضرره المعنوي وضرره المادّي النّاتجين عن الطّلاق، وذلك في صورتي الطّلاق للضرر و الطلاق إنشاء (الفصل 31 من مجلة الأحوال الشخصيّة).
وتقدّر المحكمة هذه الجراية بحسب ما اعتادته الزّوجة من مستوى عيش في ظلّ الحياة الزوجيّة (مأكل ومشرب وملبس وسكنى...). كما تراعى في تقديرها سن المطلقة. وهي قابلة للمراجعة ارتفاعا وانخفاضا بحسب ما يطرأ على حياة المطلّقين من متغيّرات. كما تستمرّ إلى أن تتوفّى المفارقة أو يتغيّر وضعها الاجتماعي بزواج جديد أو بحصولها على ما تكون معه في غنى عن الجراية (تركة هامّة أو هبة أو وصيّة...). وتصبح هذه الجراية دينا على التركة في حالة وفاة المفارق وتصفّى عندئذ بالتّراضي مع الورثة أو عن طريق القضاء بتسديد مبلغها دفعة واحدة.
أمّا التّعويض للمطلقة عن ضررها المعنوي، فيكون دائما في شكل رأس مال ويقدّر حسب ما حصل لها من ضرر يتمثل في الحسرة والألم وخيبة الأمل نتيجة الطلاق.
|
ليست هناك تعليقات