-->

بسم الله والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين

اخر المواضيع

تنوّع قرارات حافظ الملكيّة العقاريّة



dourouby.tn

 

تنوّع قرارات حافظ الملكيّة العقاريّة



تنوّع قرارات حافظ الملكيّة العقاريّة



اعداد السيد : الهاشمي بن سالم
محرر اول بالديوان الوطني للملكية العقارية بسوسة


dourouby.tn

يمثّل حافظ الملكيّة العقاريّة المسؤول الإداريّ الأوّل بإدارة الملكيّة العقاريّة، وبصفته المؤتمن على الإشهار العقاريّ، فقد خوّل له المشرّع اتّخاذ جميع القرارات المتعلّقة بمسك السّجلّ العقاريّ، منها ما يمثّل قرارات إيجابيّة (مبحث أوّل) ومنها ما يعدّ قرارات سلبيّة (مبحث ثان).

المبحث الأوّل: القرارات الإيجابيّة:

في إطار وظيفته الإشهاريّة، يقوم حافظ الملكيّة العقاريّة باتخاذ قرارات تنفيذا لمهامه المتمثلة في إشهار العقارات المسجّلة بدءا من تنفيذ الحكم بالتسجيل إلى مسايرة العقار طيلة حياته القانونية، وذلك بإشهار جميع الحقوق العينيّة والشّخصيّة المترتّبة عليه.

هذه القرارات لها مفعول إيجابيّ يكمن في إخراج العقار من مرحلة الخفاء إلى مرحلة العلنيّة ممّا يجعل العقار محور تعامل بأمان من طرف المتعاملين عليه، وهو ما يجعل السّجلّ العقاريّ مصدر ضمان وطمأنينة.

كما أنّ هذه القرارات تمثّل امتيازا للدولة في اعتبار العقار مصدر ثروة اقتصاديّة ويجب مراقبة كلّ التّصرّفات القانونية التي تطرأ عليه خاصّة وأنّ نظام التمويل المالي يقوم على اعتبار العقار المصدر الأساسيّ للائتمان والضمان العينيّ.

كما تتدعّم إيجابيّة هذه القرارات في إثبات الحق العينيّ، فالحق العيني الذي لم يقع إشهاره لا يمكن الاحتجاج به إزاء الغير الذي قام بإشهار حقّه.

فالإشهار له وظيفة إعلاميّة واحتجاجيّة إلى جانب الوظيفة الإنشائيّة والمتمثّلة في أنّ الحق العيني لا يتكوّن إلاّ إذا تمّ ترسيمه بالسّجل العقاري وابتداء تاريخه.

فإثبات الحق العيني لم يعد بمجرّد العقد أو الصكوك المتعلّقة بالحقوق العينية وإنّما يجب الترسيم بالسجل العقاري، فقرارات حافظ الملكيّة العقاريّة إلى جانب كونها لها وظيفة إشهاريّة ومؤثّرة على المركز القانوني للمعني بالأمر فهي منتجة للأثر العينيّ للصّكوك موضوعها، فالصكوك موضوع مطالب الترسيم يتوقف إنتاج أثرها العيني على ترسيمها بالرّسم العقاري المعني، فلا أثر عينيّ مباشر للصكوك، فحافظ الملكيّة العقاريّة باعتباره مؤتمن على السّجل العقاري، يتخذ في إطار صلاحياته المخوّلة بموجب م ح ع قرارات متعددة منها ما لا ينشئ آثارا عينية (قسم أوّل) ومنها ما ينشئ آثارا عينية (قسم ثان).

القسم الأوّل: قرارات لا تنشئ آثارا عينية

يتخذ حافظ الملكية العقارية قرارات إداريّة لا تكون حقوقا عينية، ومفاد ذلك أنّ هذه القرارات تتّسم بالطابع الإشهاري البحت، حيث تنشأ الحقوق العينية المطلوب ترسيمها بموجب الأحكام أو بموجب الصكوك موضوعها.

وتتجسّد هذه القرارات في قرارات تنفيذيّة لأعمال قضائيّة (فقرة أولى) وفي قرارات تعكس الحالة القانونية السليمة للسجل العقاري (فقرة ثانية).

فقرة أولى: قرارات تنفيذيّة لأعمال قضائيّة

تتمثّل هذه القرارات في الأعمال  التنفيذية لأحكام قضائية (أ) إلى جانب تنفيذ الأذون القضائيّة (ب).

أ. قرارات تنفيذية لأحكام قضائيّة: أسند المشرّع التّونسي إلى حافظ الملكية العقاريّة مهام تتعلّق بالعقارات المسجّلة، ومن الطّبيعي أن يؤدّي هذا إلى اتّخاذ مقرّرات إداريّة تتّصل بالأحكام الصادرة بالتسجيل في مادة التسجيل الاختياري أو الإجباري.

إلى جانب هذه الأحكام يصدر حافظ الملكية العقارية قرارات بترسيم أحكام أخرى صادرة عن نفس المحكمة وهي الأحكام القاضية بترسيم الصكوك موضوع مطالب التحيين.

هذه الأحكام تؤدّي إلى اتّخاذ قرارات إداريّة تنفيذيّة مؤثرة على الحقوق العينية دون إنشائها، والقاسم المشترك لهذه الأحكام هي كون تنفيذها لا يتمّ إلاّ من خلال قرار إداريّ يقع اتّخاذه من خلال إجراء موحّد.

ويتمثّل هذا الإجراء في تضمين هذه الأحكام بسلّ يسمّى تر التضمين وهو ما نصّ عليه الفصل 380 من م ح ع، حيث يقع تضمين أحكام المحكمة العقارية الصّارة بالتسجيل أو التحيين مثل بقيّة الصكوك الأخرى التي تستوجب الإشهار بالسّجلّ العقاريّ.

وهذه الأحكام بشيء من الخصوصية لا يقع التحقيق فيها مثل بقية الوثائق الأخرى المقدمة للترسيم حيث لا يمكن أن تتخذ في شأنها قرارات بالرفض.

فالأحكام الصادرة بالتسجيل يقع تنفيذها مباشرة دون تحقيق فيها، وهو ما ينسجم مع مبدأ التفريق بين السلط، فهي لا تخضع لمبدأ الشرعية المنصوص  عليه بالفصول 306 و389 من م ح ع.

لكن متى يقع تنفيذ هذه الأحكام من طرف حافظ الملكية العقارية؟

نصّ الفصل 332 جديد من م ح ع على أنّ أحكام المحكمة العقارية القاضية بالتسجيل أو بالترسيم الناتج عن حكم التسجيل نهائية الدرجة وتقبل الطعن بالتعقيب لدى محكمة التعقيب، وفي كل الأحوال لا ينفّذ حكم التسجيل إلاّ إذا لم يقع الطعن فيه بالتعقيب وفق أحكام الفصل 351 جديد من م ح ع الذي نصّ على أنّ إدارة الملكية مكلفة بإقامة الرسوم العقارية تنفيذا للأحكام الصادرة بالتسجيل.

ومن مظاهر القرارات التنفيذية للأحكام الصادرة بالتسجيل هو ما نصّ عليه الفصل 358 من م ح ع "تتولّى إدارة الملكية العقارية إقامة رسم عقاري لكلّ عقار مسجّل ويحتوي هذا الرسم على بيان اسم العقار وموقعه ومساحته ومحتواه، وينص به على جميع الحقوق المتعلقة بالعقار والخاضعة للإشهار بمقتضى هذه المجلّة ويبقى المثال مضافا إلى الرسم العقاري.

ولكلّ رسم عقاري معرّف يتكوّن من عدد رتبي واسم الولاية مرجع النّظر التّرابي. وفي هذا تكريس لمبدا أساسيّ يحكم نظام الإشهار العيني وهو مبدأ التخصيص الذي يتجسّد بتنفيذ أحكام التسجيل من طرف حافظ الملكية العقارية.

هذه القرارات التنفيذية لا تنشئ حقوقا عينيّة نظرا للصّبغة الاستحقاقيّة لهذه الأحكام فلا يتوقّف تكوّن الحق العيني على قرار تنفيذ الحكم، وهو ما يعني أنّ هذه الأحكام لا يشملها مبدأ المفعول المنشئ للترسيم، فهي أحكام اتّصل بها القضاء وتطهّر العقار من جميع الحقوق السابقة عن تاريخ تقديم مطلب التسجيل أو التصريح بالملكيّة، ويتأكّد الطابع الاستحقاقي من خلال تحميل المستفيد من التسجيل واجب التعويض لكلّ شخص تضرّرت حقوقه من حكم التسجيل.

أمّا فيما يتعلّق بأحكام التحيين فإنّ حافظ الملكية العقاريّة يتّخذ قراراته بموجب الفصل 24 جديد من تنقيح سنة 2009 الذي جاء فيه "يتمّ تنفيذ الحكم الصادر بالتحيين حالا بعد إعلام الخصوم طبق أحكام الفصل 349 من م ح ع.

إنّ ما يمكن ملاحظته أنّ أحكام التحيين تعدّ أحكاما ابتدائيّة وقابلة للتنفيذ بقطع النظر عن الاستئناف، إلاّ أنّ المشرّع احتاط لحماية الغير ومنع أي ترسيم قبل مضي أجل الاستئناف مع اشتراطه ضرورة الإدلاء بشهادة في عدم الاستئناف وفق ما نصّ عليه الفصل 24 جديد من القانون المذكور.

ويشمل تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحكمة العقارية سواء كانت أحكاما صادرة عن قاضي السجل العقاري أو أحكاما صادرة  عن دائرة الرسوم المجمّدة، وما يؤكّد أنّ القرارات التنفيذية لأحكام التحيين لا تكون حقوقا عينيّة، هو أنّ هذه الأحكام الصادرة في مادة التحيين لا تشمل إلاّ الرّسوم العقاريّة غير الخاضعة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم.

وإذا كانت قرارات تنفيذ أحكام التسجيل أو أحكام التحيين لا تنشأ أثرا عينيا، فإنّ ذلك يشمل أيضا القرارات التنفيذيّة للأذون القضائيّة.

ب. قرارات تنفيذية لأذون قضائيّة

يتولّى حافظ الملكيّة العقارية في إطار تنظيم وتسيير مرفق الخدمات المتعلقة بالسجل العقاري وبوصفه هيكل مسيّر لمؤسسة عمومية وهي إدارة الملكية العقارية، تنفيذ أذون قضائية صادرة عن المحاكم تتعلّق بالعقارات المسجّلة، ومن الطّبيعي أنّ تنفيذ هذه الأذون يقتضي اتّخاذ قرارات تتعلّق بالتنصيص على الحقوق موضوعها أو حتى متعلّقة بالترسيم.

ومن اهمّ المؤسسات القانونية التي خوّل المشرّع إلى حافظ الملكية العقارية إشهارها هي مؤسسة القيد الاحتياطي للدعاوى المرفوعة أمام القاضي العدلي، والغاية من هذا القيد هو حماية القائم بالدعوى من كل معارضة من طرف الغير، فهو إجراء وقائي هدفه حماية حق محتمل الوقوع مستقبلا يمثّل "احتراز يدوّن على صحيفة العقار العينيّة لتحذير الغير بما يهدّد العقار إلى أن يثبت الحقّ لطالب القيد أو يحكم ضدّه".

وقد حدّد المشرّع الدّعاوى القابلة للقيد الاحتياطي ضمن الفصلين 365 و366 من م ح ع، وهي الدعاوى الرامية غلى استصدار حكم ببطلان الحقوق العينية المرسّة أو إبطالها أو فسخها أو الرجوع فيها.

·       الدعاوى الرامية إلى إدخال تعديلات على الترسيمات الواقعة بموجب نقل بالوفاة.

·       دعاوى إبطال التشطيب.

·       دعاوى القيام بالشفعة.

·       دعاوى إصلاح الترسيم

·       دعاوى التشطيب

·       الدّعاوى الرامية إلى ترسيم جميع الأعمال التي تقتضي التفويت في عقار أو التخصيص به.

·       الدعاوى الرامية إلى الاعتراف بحق المغارس أو قسمة الأرض المغروسة.

إنّ التحديد الوارد للدعاوى التي يمكن أن يشملها القيد الاحتياطي ورد على سبيل الحصر فلا يجوز لحافظ الملكية العقارية قيد غيرها احتياطيا، فلا يمكن قيد الدعاوى التي ترمي للحصول على حق شخصي أو حق الأولوية في الشّراء.

ويستوجب في القيد الاحتياطي أن يكون من الحقوق التي أقرتها م ح ع احتراما لمبدأ الشرعية تطبيقا لأحكام الفصل 390.

كما يشترط أن يكون موضوع الدعوى حقا عينيا مرسّما وفق أحكام الفصل 365 فقرة ثانية من م ح ع، ويشترط لقيد الدعاوى قيدا احتياطيا صدور إذن قضائي في الغرض، وقد نصّ الفصل 367 من م ح ع على أنّ قيد الدّعاوى قيد احتياطي لا يجري إلاّ بإذن يصدره رئيس المحكمة الابتدائية بمكان العقار بناء على عريضة تحال على مدير الملكية العقارية لإبداء رأيه فيها، فعلى طالب الإذن احترام الإجراءات المتعلقة بالأذون على العرائض وفق أحكام م مم ت.

وقد يثير إبداء الرأي في الإذن من طرف حافظ الملكية العقارية مسألة جواز القيام بالترسيمات على نفس الحق العيني عند زمن إبداء رأيه.

عمليّا ترفض الإدارة أي عملية ترسيم رغم تعهّدها بمجرّد إبداء الرأي وذلك لتفادي تعقيد وضعية الرّسم وهو توجّه يتنافى مع غياب أيّ أثر للقيد الاحتياطي، كما يتنافى مع قواعد مسك السّجلّ  العقاري لانعدام أي موجب قانوني للرفض.

أمّا إذا تمّ الإذن بإجراء القيد الاحتياطي فإنّ ذلك لا يمنع الغير من الترسيم وإنّما يعارض بوجود القيد الاحتياطي للدعوى طبقا للفصل 370 من م ح ع، فإذا ما استجابت المحكمة لدعواه فإنّه يقع ترسيم ذلك الحكم وينتج آثاره من تاريخ إدراج القيد الاحتياطي.

فإدراج القيد الاحتياطي للدّعوى لا يتمّ إلاّ من خلال قرار صادر عن حافظ الملكية العقارية بعد التحقيق في مدى استجابته لقواعد الشرعية، كما أنّ قرار إشهار القيد الاحتياطي له أثر هامّ على آجال التقاضي، فطلب الرّجوع في الإذن بإجراء القيد الاحتياطي يجب أن يتمّ طلبه في أجل ثمانية أيّام من علم الخصم بذلك وفق أحكام الفصل 219 من م مم ت، وفي هذا الإطار اعتبرت محكمة التعقيب "أنّ احتساب حق القيام بالرجوع في الإذن بإدراج القيد الاحتياطي ينطلق تعداده من يوم ترسيم الإذن بالسّجلّ العقاري ولمدّة ثمانية أيّام بانقضائها يسقط ذلك الحق، فطالب الرجوع محمول على علمه بما  يطرأ على الرسم العقاري.

إلى جانب القرارات المتعلّقة بتنفيذ الأذون التي موضوعها قيد احتياطيّ، فإنّ سلطات حافظ الملكيّة العقاريّة تمتدّ أيضا إلى تنفيذ أذون قضائية أخرى وردت بموجب نصوص خاصّة في مقارنة مع القانون العام الذي تمثله م ح ع، فحافظ الملكية العقارية يتخذ قرارات في تنفيذ أذون قضائية قاضية بإجراء اعتراض تحفظي على عقار مسجّل، وقد جاء بالفصل 327 من م مم ت "أنّ الدّائنين الذين ليس بأيديهم سند تنفيذي أو سند مرسّم، أو الذين لم يحل أجل أداء ديونهم يمكن أن يطلبوا ترسيم اعتراض تحفّظي على عقارات مدينهم المسجّلة بعد تحصّلهم على إذن في ذلك من رئيس المحكمة الابتدائيّة الرّاجع لدائرتها مقرّ المدين...".

وقد دأب عمل المحاكم على طلب إبداء رأي حافظ الملكية العقارية في الموضوع رغم عدم وجود نصّ قانوني يبيح ذلك حتى لا تبقى الأذون معطّلة، وحتّى يواكب الرسم العقاري كلّ ما طرأ عليه من تغيّرات، كما يمكن الإشارة إلى أنّ حافظ الملكية العقارية يقوم بتنفيذ الأذون الصادرة عن دائرة الرسوم المجمدة أو قاضي السجل العقاري القاضية بمواصلة مباشرة العملية المطلوبة من إدارة الملكية العقارية إذا ما تمّ التّحقق من عدم تعلّقها بمطلب التحيين الواقع إشهاره بالرسم العقاري.

وتتعدّد القرارات المتعلّقة بتنفيذ الأذون القضائية، وقد ارتأينا التّعرّض إلى هذه الأذون نظرا لأهميتها العملية والقانونية والمتمثلة في حماية وضمان الحقوق وللسرعة والمرونة التي هي من متطلّبات مسك السّجلّ العقاري،  كما أنّ متطلبات مسك السجل العقاري تستوجب المصداقية والشفافية، فإلى جانب القرارات التنفيذية للأعمال القضائية فإنّ حافظ الملكية العقارية يتخذ قرارات إداريّة تعكس الحالة القانونية السّليمة للرّسم العقاريّ.

 

dourouby.tn


فقرةثانية: قرارات تعكس صحّة الحالة القانونية للسّجلّ العقاريّ

في إطار سلطاته العادية، خوّلت م ح ع إلى حافظ الملكية العقارية مراجعة الترسيمات لجعلها الصورة الحقيقية والسّليمة التي تعكس محتوى الرسم العقاري وذلك من خلال الإصلاحات التي ترد على الترسيمات (أ) لتكريس شفافية الإشهار العينيّ، كما أوجبت على حافظ الملكية العقارية إسداء الخدمات التي تعكس الحالة القانونية للرسم العقاريّ والمتمثلة في تسليم الوثائق. (ب).

أ. قرارات إصلاح الترسيمات على معنى الفصل 391 من م ح ع

للمحافظة على شفافية ومصداقية الترسيمات بالسجل العقاري، خوّل المشرّع إمكانية مراجعة الترسيمات من طرف حافظ الملكية العقارية بأن حدّد له تطاق تدخّله في مراجعة أعماله.

وفي هذا الإطار يتولّى حافظ الملكية العقارية اتّخاذ مقرّرات إداريّة لإصلاح كلّ سهو وغلط تسرّب إلى السّجلّ العقاريّ.

وقد جاء بالفصل 391 من م ح ع "إذا وقع سهو أو غلط في رسم الملكية أو في الترسيمات فإن للمعنيين أن يطلبوا إصلاحه.

ولحافظ الملكية العقارية أيضا أن يتولّى من تلقاء نفسه إصلاح الخلل الصادر عنه وتدارك الأخطاء المادية الحاصلة في العقود المحررة من طرفه أو من طرف أعوان إدارة الملكية العقارية المكلّفين بذلك ويجب في جميع الحالات إبقاء الترسيمات الأولى على حالها وإتمام الإصلاح في تاريخه..."

ويتأكّد من خلال أحكام الفصل 391 من م ح ع أنّ الإصلاح موضوعه أعمال حافظ الملكيّة والمتمثّلة في إقامة رسم الملكيّة عند تنفيذ حكم التسجيل والترسيمات الإدارية اللاحقة، وهو ما يفيد أنّ الإصلاح يتسلّط على الترسيم الذي نفذه حافظ الملكية العقارية وليس على الحكم العقاري وعلى بقية الترسيمات، ويشترط أن يتعلّق الإصلاح بالأغلاط المادية والسهو الحاصل في الترسيمات الأولى واللاحقة، ويتمّ الإصلاح بمناسبة التفطّن من إدارة الملكيّة العقارية أثناء تقديم مطلب خدمة على الرسم العقاري المعني، أو من خلال الوثائق المسلّمة التي تعكس واقع الرّسم مثل سندات الملكية أو الشهائد أو نسخ الرسوم... التي تسلّم إلى طالبيها الذي يتفطّنون إلى تسرّب أخطاء أو سهو في الترسيم ويتقدّمون بمطلب إصلاحها.

في كلتا الحالتين يتمّ الإصلاح سواء كان الاطّلاع على الخطإ من طرف الإدارة   أو المعنيين بالأمر.

وقد حصر المشرّع الخلل الموجب للإصلاح في الأغلاط المادية والسّهو دون المسّ بأصل الحقّ المرسّم، والمقصود بالإصلاح، حسب الأستاذ محمود العنابي، هو "إصلاح الأغلاط المادية القليلة التي لا تؤول إلى تغيير في الحقائق الموضوعية المرّسمة والسّهو الذي يؤول إلى إغفال التنصيص على بعض ما يجب التنصيص عليه والحال أنّ له أصل ثابت بالوثائق.

فالإصلاح بهذا المفهوم لا يمكن أن يؤدّي إلى تغيير في الترسيمات، وإنّما يجب أن يعكس الصّورة الحقيقية للترسيم تحقيقا لمصداقية السّجل العقاري وذلك بتصحيح الأخطاء المادية المتسرّبة للتّرسيم مثل إصلاح الأخطاء الواردة في أسماء المالكين أو في المساحة المباعة، كأن يتعلّق البيع المرسّم بجزء محدّد من العقار، في حين شمل الترسيم بيع جميع العقار فإنّ ذلك يتطلّب إصلاح موضوع البيع من خلال مؤدات الترسيم المحفوظة لدى إدارة الملكية العقارية، هذا بشرط أن لا ينتقل هذا الحقّ للغير حسن النية، ويشمل الإصلاح جميع الأخطاء المادية المتسربة لرسم الملكية أو الترسيم في ما يتعلّق بجميع عناصر الحالة المدنية أو اسم العقار أو تاريخ الترسيم...

أمّا السّهو فهو إخلال بالتنصيص على ما له أصل ثابت بالوثائق سند الترسيم، فقد يغفل المحقق على ذكر أحد البائعين أو المشترين عند ترسيم العملية، وبمراجعة الترسيم يتبيّن هذا الخطأ ممّا يستوجب إصلاحه بإضافة الطرف الذي تمّ إهمال التنصيص عليه ضمن الترسيم، أو بإضافة عنصر من عناصر الحالة المدنية الموجب التنصيص عليها بالترسيم مثل وجوبية التنصيص ضمن الترسيم على نظام الاشتراك في الأملاك بين الزوجين، وفي كلّ الحالات يجب إبقاء الترسيمات الأولى على حالها وإتمام الإصلاح في تاريخه، والغاية من ذلك هي المحافظة على الثقة في ما يرسم بالسجل العقاري.

ويتمّ اتّخاذ قرار الإصلاح على أساس الفصل 391 من م ح ع في شكل مذكّرة يقع فيها تحديد الخطأ وكيفية الإصلاح.

إلاّ أنّ ما يمكن ملاحظته في هذا الإطار هو ضرورة إعلام المعنيين بالترسيم بموضوع الإصلاح خاصّة في ظلّ العمل بمبدأ المفعول المنشئ للترسيم والعمل بسند الملكية الذي يبقى لدى المالك بالحالة القانونية السابقة عن الإصلاح، ممّا يؤدّي إلى الإضرار بالغير المتعامل على هذا السّند، خاصّة وأنّه شرط موجب في التحرير والتّرسيم.

كما يمكن الإشارة إلى أنّ إدارة الملكية العقارية لا تتقيّد بهذا المفهوم للإصلاح، وإنّما توسّعت فيه إلى حدّ أنّها اعتبرته تشطيب على ترسيم، ممّا يؤدّي إلى إلغاء الحق جزئيا أو كلّيا، وعلى المتضرّر الرجوع بالتعويض وهو ما يحدث تحفظات في خصوص مصداقية السجل العقاري التي يجب أن تعكسها الوثائق المسلمة من حافظ الملكية العقارية.

ب- قرارات موضوعها تسليم وثائق

تندرج الوثائق المسلّمة من حافظ الملكيّة العقاريّة إلى طالب الخدمات ضمن سلطاته التي خوّلتها له م ح ع كسلطة إداريّة، فهي قرارات إداريّة صادرة عن مؤسسة عموميّة موضوعها تسليم وثائق في إطار تقليدي لعمل الإدارة عموما كمرفق عامّ.

إلاّ أنّ هذه القرارات لها أهمّية قصوى في مستوى تنشيط الحركة الاقتصادية من خلال إثبات الحقوق العينية التي تمثّل أداة للائتمان خاصة بالنسبة للمؤسسات البنكية ومؤسسات القرض عموما.

فبعد تنفيذ حكم التّسجيل، فإنّ الملكيّة والحقوق العينيّة المترتبة عليها تثبت بالرسم العقاري مباشرة الذي يمثّل الأصل في مسايرة حياة العقار والذي يبقى محفوظا لدى إدارة الملكية العقارية، فالترسيم يستمدّ شرعيته من ذاته من حيث المبدأ بقطع النّظر عن السّند المؤسس عليه، لذلك يكفي الحصول على وثيقة تعكس حالة الرسم العقاري حتّى يتأكّد الحقّ العينيّ، فلم يعد الكتب وسيلة إثبات الحقوق العينية بداية من العمل بمبدأ المفعول المنشئ للترسيم، فالصكّ الذي لم يقع إشهاره لا ينتج أيّ اثر عينيّ حسب ما نصّ عليه الفصل 305 جديد من م ح ع ولا يرتّب إلاّ أثر شخصيّ وفقا لأحكام الفصل 373 جديد من م ح ع.

وأمام أهميّة هذه الوثائق خوّل المشرّع إلى حافظ الملكيّة العقارية اتّخاذ قرارات إداريّة في تسليم سندات ملكيّة وشهادات إداريّة تتعلّق بالسّجلّ العقاريّ. 

وقد أقرّ المشرّع العمل بسند الملكيّة بداية من تنقيح 1995 بموجب الفصل 364 من م ح ع، وقد جاء به "يسلّم لكلّ مالك سند مطابق لبيانات الثابتة بالرسم العقاري ممضى ومصادق على صحّته من طرف حافظ الملكيّة العقاريّة....".

وقد نصّ نفس الفصل، على أنّ ضبط شكله ومحتواه ومضمونه ونسخته يتمّ بمقتضى أمر، وفعلا تمّ إصدار الأمر، ولم يقع العمل دون وضوح أسباب ذلك، وربّما يعود ذلك إلى الغموض الذي ساد في تحديد مجال انطباق سند الملكيّة، ما إذا كان يشمل الرّسوم الخاضعة للمفعول المنشئ للترسيم أو جميع الرّسوم العقاريّة، حيث لم تتوضّح الرؤية في تحديد الرسوم الخاضعة للمفعول المنشئ للترسيم إلاّ سنة 2000 ولم تتأكّد إلاّ سنة 2001 خاصّة في الفصل الثالث والفصل 23 من القانون عدد 34 لسنة 2001.

وتأكّد ذلك أيضا من خلال تنقيح الفصل 401 من م ح ع بموجب القانون عدد 35 لسنة 2001 الذي أقرّ "إذا سلّم سند الملكيّة في الرّسوم المحيّنة فلا يتمّ التّرسيم إلاّ بتقديمه..." ويتدعّم هذا التأويل أيضا من خلال إقرار حق الطّعن في قرارات رفض أو تأجيل تسليم السّند بمقتضى الفصل 388 من م ح ع المنقح بموجب القانون.

والغاية من تسليم هذا السند حمائية بحتة لمقاومتها الحقوق المترتبة على نفس العقار، حيث لا يمكن التّرسيم إلاّ بتقديم سند الملكيّة الواقع تسليمه طبقا لأحكام الفصل 401 من م ح ع.

إلاّ أنّ هذا التّفسير على سلامته الظّاهريّة ينقصه التّعمّق، فحافظ الملكيّة العقّاريّة لا يوجد ما يلزمه تسليم السّند من خلال الفصل 401 الّذي استعمل عبارة "إذا سلّم السّند"، ممّا يحدّ من جدواه، فلا شيء يمنع المالك من إعادة التّفويت أو رهن نفس العقّار إذا لم يتسلّم السّند ويقدّمه إلى المشتري الأوّل أو الدّائن المرتهن الأوّل.

وما يجب الإشارة إليه في هذا الإطار هو أنّ سند الملكيّة قد عوّض الرّسم الأزرق الّذي كان معمولا به في ظلّ قانون غرّة جويلية 1885، والّذي يجب إعادته عند كلّ عمليّة ترسيم، ويكفي رفض إحضاره حتّى يتعطّل التّرسيم، وإلى جانب سند الملكيّة الّذي لا يسلّم إلاّ للمالك، فقد أقرّ المشرّع تسليم وثائق أخرى تعكس الحالة القانونيّة للرّسم زمن تقديم مطلب فيها.

هذه الوثائق جاء بها الفصل 387 ن م.ح.ع المنقح بموجب القانون عدد 35 لسنة 2001 والذي جاء فيه"على إدارة الملكيّة العقاريّة أن تسلّم لكّل طالب نسخة من الرّسم العقاري أو شهادة ملكيّة تثبت الحالة القانونيّة للرّسيم في تاريخ تلقّي المطلب أو شهادة عدم ملكيّته وتمكّنه من الاطّلاع على الرّسيم العقاري وكلّ طلب يجب أن يكون ممضى ومؤرّخا من صاحبه...".

إنّ قرارات من هذا النّوع لها انعكاسات مباشرة على الصّورة الحقيقيّة للرّسيم العقاريّ إلاّ في تاريخ تقديم المطلب، فهي قرارات تثبت الإشهار من خلال الوثائق المسلّمة، وما هي إلاّ تأكيد للحالة الاستحقاقيّة للرّسم،  فالوثائق والاطّلاع على الرّسم يتّسمان بسرعة يتطلّبها مسك السّجلّ العقّاريّ ويمكّنان الغير الّذي يريد التّعامل على الرّسم من اعتماد هذه الوثائق بحال أنّها سليمة وتعكس الحالة الاستحقاقيّة الواردة بها والّتي تحمل على الشّرعيّة، ويقع اعتماد هذه الوثائق خاصّة في المعاملات البنكيّة لتفادي التّعقيدات الواردة على الرّسم العقّاريّ، مثل وجود عمليّة جارية لم يقع ختمها أو أن يكون الرّسم العقّاريّ لم ستوعب جميع عمليّات النّسخ ممّا يسرّع القيام بالإجراءات...

ولا تتوقّف قرارات حافظ الملكيّة العقّاريّة على تسليم هذه الوثائق، وإنّما لحافظ الملكيّة العقّاريّة قرارات إنشائيّة ذات أثر مباشر في توليد الأثر العينيّ للصّكوك موضوع مطالب التّرسيم.

قسم ثان: قرارات تنشئ آثارا عينيّة

خوّل المشرّع ضمن الفصل 316 من م. ح. ع إلى حافظ الملكيّة العقّاريّة ترسيم الحقوق والتّحمّلات المتعلّقة بالعقّارات المسجّلة والسّهر على التّنصيص بالرّسوم على آخر تعديل يطرأ عليها، وترسيم الحقوق المتعلّقة بالعقّارات المسجّلة في هذا المجال هي المقصود منها التّرسيمات الإداريّة وهي الّتي يباشرها حافظ الملكيّة العقّاريّة مباشرة بموجب النّصّ القانونيّ دون تدخّل قضائيّ، فهو يباشر سلطاته المستمدّة من م. ح. ع مباشرة.

وممارسة هذه السّلطات تؤدّي إلى اتّخاذ مقرّرات إداريّة، وما يهمّنا في هذه السّلطات هي قرارات التّرسيم لما لها من تأثير واضح على حقّ الملكيّة والحقوق العينيّة عموما ولما لها من مفعول منشئ للحقّ، فإذا ما رفض حافظ الملكيّة العقّاريّة التّرسيم فإنّ ذلك يؤدّي إلى عدم تكوّن الحقّ العيني بين أطرافه وربّما استحالة تكوّنه مستقبلا.

فالتّرسيم بالسّجلّ العقّاريّ ما هو إلاّ تصرّف قانونيّ صادر عن إرادة منفردة ويحدث أثرا إيجابيّا على المركز القانونيّ للمعنيّ بالأمر يتمثّل في جعله حقّ عينيّ، فالقرار الإداريّ عموما يحدث أثرا إيجابيّا أو سلبيّا على المركز القانونيّ للمستهدف به، فالتّرسيم هو "تدوين للحقّ العينيّ أو لبعض الحقوق الشّخصيّة لغاية إشهاره".

وما يمكن ملاحظته هو أنّ التّرسيم ليس مجرّد وسيلة للإشهار وإنّما شرط لتوليد الأثر العينيّ للصّكوك موضوع مطالب التّرسيم، وهو ما يتطلّب تحديد نظام قرارات التّرسيم الإداري (فقرة أولى) وآثارها (فقرة ثانية).

فقرة أولى: قرارات التّرسيم الإداري

تتميّز هذه التّرسيمات بكونها أعمال إداريّة بحتة من مهامّ إدارة الملكيّة العقّاريّة الّتي هي مؤسّسة عموميّة ذات صبغة إداريّة على ضوء القانون الّذي بعثها، وقد أصبحت منذ سنة 1998 تلعب وظيفة إنشائيّة للحقّ العينيّ الّذي لم يعد مباشر للصّكوك، وإنّما أثر للتّرسيم، فبمجرّد صدور قرار ترسيم صكوك تتعلّق بحقوق عينيّة بالرّسم العقّاري يتولّد الحقّ العينيّ، فقرارات التّرسيم شرط لإنتاج الصّكّ لأثره العينيّ ممّا يتطلّب تحديد ميدان قرارات التّرسيم (أ) وإجراءاتها (ب).

أ‌-   تحديد ميدان قرارات التّرسيم

يشمل ميدان التّرسيم الأعمال القانونيّة المتعلّقة بالحقوق العينيّة، وقد نصّ الفصل 373 من م. ح. ع على ما يجب إشهاره برسم الملكيّة، فهل ما يشهر أو يتسلّط عليه التّرسيم الحقّ العينيّ أو الصّكّ الّذي "يثبه"؟

يقتضي الفصل 373 جديد ما يبيّن أنّ المشرّع يميل إلى اعتبار الصّكوك والاتّفاقات والأحكام من الأمور الّتي يجب إشهارها بطريقة التّرسيم وتفادي التّفرقة حتّى وإن كان الفصل 305 جديد يتعلّق بترسيم الحقّ العيني فالصّكّ يشهر بالسّجلّ ويشهر بالتّالي الحقّ العينيّ وقد نصّ الفصل 373 جديد على ؟أنّ جميع "الصّكوك... سواء تعلّقت تلك الصّكوك... بإنشاء عينيّ..." في حين نصّ في نسخته القديمة على أنّ "الصّكوك...الّتي ينتج عنها حقّ عينيّ..."، ممّا يستفاد منه أنّ الصّكوك هي الّتي تشهر وترسم ليرسم الحقّ العينيّ، فالصّكوك والاتّفاقات والأحكام تتوقّف على التّرسيم لنشأة الأثر العينيّ وإن كان موضوعيّا قبل التّرسيم يوجد الحقّ العينيّ.

هذا التّرسيم يباشره حافظ الملكيّة العقّاريّة بموجب العنوان الرّابع من م. ح. ع الّذي ورد تحت عنوان "ترسيم الحقوق العينيّة العقّاريّة"، فمجال تدخّل سلطات حافظ الملكيّة العقّاريّة في إطار التّرسيم الإداري ضبطها الفصل 373 جديد من م. ح. ع، فقد جاء به "الأمور الآتية يجب إشهارها بطريق التّرسيم برسم الملكيّة.

أوّلا: جميع الصّكوك والاتّفاقات في ما بين الأحياء مجّانيّة كانت أو بعوض، وجميع الأحكام الّتي أحرزت على قوّة مّا اتّصل به القضاء سواء تعلّقت تلك الصّكوك والاتّفاقات والأحكام بإنشاء حقّ عينيّ أو بنقله أو التّصريح به أو بتعديله أو بانقضائه أو بجعله غير قابل للتّفويت أو بالتّقييد من حرّيّة جولانه أو بتغيير أيّ شرط من شروط ترسيمه.

ثانيا: الصّكوك القاضية بإحالة حقّ الاشتراك في الملكيّة بالجوار، ويسري هذا الحكم على تجزئة العقّار بما في ذلك التّقسيم والقسمة ولو كان موضوعها إرثا، ولا يجوز للورثة أو الموصى لهم التّصرّف القانونيّ في حقّ عينيّ مشمول بالتّركة أو الوصيّة حسب الحال قبل ترسيم انتقال الملكيّة بالوفاة...".

يتبيّن أنّ هذه الأعمال القانونيّة تنقسم إلى ثلاثة أصناف وهي الصّكوك الإراديّة والقضائيّة والإداريّة.

1.              الصّكوك الإراديّة

§     جميع الاتّفاقات بين الأحياء مجّانيّة أو بعوض والّتي يكون موضوعها يتعلّق بإنشاء حقّ عينيّ مثل حقّ الانتفاع أو الرّهن أو الارتفاق.

§               العقود المتعلّقة بنقل الحقّ العينيّ مثل البيع أو الهبة أو التّنازل أو المعاوضة...

§               العقود المتعلّقة بالتّصريح بالحقّ العينيّ مثل القسمة.

§     العقود المتعلّقة بتعديل الحقّ العينيّ، ويفيد التّعديل تحاورا يضيف توضيحا جديدا للتّرسيم دون الحطّ منه مثل الاتّفاقات التّوضيحيّة والتّكميليّة الّتي تضيف توضيحات جديدة لم يشملها الصّكّ المرسّم مثل إضافة رتبة القسمة لاحقا أو ما يعرف بالشّائط إذا لم يشمله الصّكّ المرسل، أو تعديل الترّسيم الواقع باسم التّركة عند التّصفية أو القسمة طبقا للفصل 396 من م. ح. ع.

§     كلّ العقود الّتي تتضمّن تقييد الحرّيّة في التّفويت في العقّار مؤقّتا مثل الشّروط الفسخيّة الإراديّة أو القانونيّة.

§     العقود القاضية بانقضاؤ الالتزام مثل انقضاء الرّهن بانقضاء الدّين أو فسخ الاتّفاقات كما في صورة الإقالة وفق أحكام الفصل 314 من م. إ. ع، وفي مثل هذه الحالات يؤدّي انقضاء الحقّ العينيّ إلى التّشطيب عليه من الرّسم العقّاريّ على عكس التّعديل الّذي يضيف عنصرا جديدا للتّرسيم. ويمكن أن يكون التّشطيب كلّيّا أو جزئيّا، فالتّشطيب الكلّيّ هو إلغاء كامل للحقّ المرسّم، أمّاالجزئيّ فيتمّ بالحطّ من التّرسيم، ويمكن أن يكون التّشطيب رضائيّا أو قضائيّا أو قانونيّا.

2.    الأحكام الّتي اتّصل بها القضاء: وهي الأحكام الّتي لم تعد قابلة للتّعطيل بأيّ وسيلة معطّلة للتّنفيذ على معنى الفصل 286 من م. م. م. ت والّتي تتعلّق بإنشاء حقّ عينيّ أو بنقلة أو التّصريح به أو تعديله أو بانقضائها أو بجعله غير قابل للتّفويت أو بالتّقييد من حرّيّة جولانه أو بتغيير أيّ شرط من شروط ترسيمه.

3.    الصّكوك الإداريّة: مثل أمر الانتزاع، شرط سقوط الحقّ، التّقسيم على معنى مجلّة التّهيئة التّرابيّة والتّعمير.

هذه الصّكوك يجب أن تتعلّق بحقوق عينيّة قابلة للتّرسيم، فحافظ الملكيّة العقّاريّة لا يمكنه ترسيم سوى الصّكوك الّتي تتعلّق بحقوق عينيّة وهي حقوق حدّدها المشرّع ضمن الفصل 12 من م. ح. ع وهي الملكيّة الإنزال والكردار ودخلهما وحقّ الانتفاع وحقّ الاستعمال وحقّ السّكنى وحقّ الهوى والإجازة الطّويلة (الامفيتيوز) وحقّ الارتفاق والامتياز والرّهن العقّاريّ.

لكن ما يمكن ملاحظته في هذه القائمة أنّها لا تخضع جميعها للإشهار، من ذلك الامتياز، حيث أنّ الامتياز العامّ يمثّل حقّ أفضليّة مصدره القانون بقطع النّظر عن إشهاره، وكذلك الارتفاقات الطّبيعيّة والقانونيّة.

ب‌-                      إجراءات قرارات التّرسيم

لقيام الإشهار بالسّجلّ العقّاريّ يستوجب ذلك صدور قرار ترسيم في مطلب التّرسيم الواقع إبداعه، سواء كان يتعلّق بطلب ترسيم مستندات الحقّ العينيّ، أو الأعمال الطّارئة على ترسيم هذا الحقّ. ولصدور هذا القرار أقرّ المشرّع عدّة إجراءات إداريّة موجبة الاتّباع بغاية إحاطة التّرسيم بهالة من الضّمان والسّلامة يصعب الارتقاء إلى الشّكّ فيها بداية من تقديم مطلب التّرسيم إلى حين تضمين قرار ترسيم الحقّ العينيّ بالسّجلّ العقّاريّ، وتنقسم هذه الإجراءات إلى قسمين وهما إجراءات تقديم مطلب التّرسيم والتّحقيق فيه.

1.              تقديم مطلب التّرسيم لإدارة الملكيّة العقّاريّة

نصّ الفصل 392 من م. ح. ع على أنّ "لكلّ شخص أن يطلب من مدير الملكيّة العقّاريّة مع تقديمه للوثائق الّتي توجب هذه المجلّة تقديمها ترسيم حقّ عينيّ أو تشطيب ترسيم أو الحطّ منه أو تبديله...".

وقد بسّط المشرّع إجراءات تقديم مطلب التّرسيم حيث لم يشترط عنصر المصلحة في طالب التّرسيم، إلاّ أنّ صاحب المصلحة هو الأولى بالحرص على تقديم مطلب التّرسيم مثل الدّائن المرتهن الّذي هو أوّل من يسعى لترسيم رهنه القّاري تفاديا للمفاجآت غير السّارة مثل أن يعمد المدين الرّاهن أو الكفيل العينيّ إلى رهنه تواطأ مع الغير الّذي يقوم بترسيمه قبل الدّائن المرتهن الأوّل.

إلى جانب ذلك وسعيا في توحيد تقديم مطالب التّرسيم إلى إدارة الملكيّة العقّاريّة تدخّل المشرّع وأوجب على قابض التّسجيل القيام بإجراءات التّسجيل واستخلاص معلوم التّرسيم ثمّ إحالة جميع الوثائق إلى الإدارة الجهويّة للملكيّة العقّاريّة لترسيمها.

كما يمكن طلب ترسيم حقوق المحجوزين من طرف مقدّميهن أو النّيابة العموميّة أو حاكم النّاحية أو أقاربهم أو أصدقائهم أو المحجور عليهم أنفسهم، وعند ورود مطلب التّرسيم يقع   تضمينه بدفتر مطالب التّضمين في يومه وهو سجلّ يقع فيه تضمين جميع العمليّات المطلوب ترسيمها أحكاما أو مؤيّدات ترسيم أخرى وبصفة عامّة جميع الصّكوك والكتائب المراد بموجبها إتمام ترسيم أو تنصيص أو تشطيب وفقا لأحكام الفصل 380 من م.ح.ع.

وعندما يقع تضمينه تبدأمباشرة عمليّة التّحقيق والمراقبة من طرف حافظ الملكيّة العقّاريّة وأعوان الإدارة طبقا لما يتطلّبه القانون تطبيقا لمبدإ الشّرعيّة.

2- التّحقيق الإداري في وثائق التّرسيم

نصّ الفصل 306 من م. ح. ع "يتولّى مدير الملكيّة العقّاريّة قبل قيامه بأيّ عمليّة مباشرة التّحقيقات الّتي تقتضيها هذه المجلّة"، وهذه التّحقيقات موضوعها مؤيّدات مطلبالتّرسيم وهي تحقيقات تنقسم إلى تحقيقات من حيث شكل المطلب وأخرى من حيث موضوع المطلب.

§                  التّحقيق في مطلب التّرسيم من حيث الشّكل

يتولّى حافظ الملكيّة التّحقيق في شكل السّند المقدّم للتّرسيم، وبداية من القانون عدد 35 لسنة 2001 أوجب الفصل 375 من م. ح. ع أن تكون الصّكوك من صنف الحجج الرّسميّة والأحكام المقدّمة للتّرسيم لإدارة الملكيّة العقّاريّة أصولا أو نسخا وإذا كانت من صنف الحجج غير الرّسميّة يجب أن تكون أصولا.

ويشمل التّحقيق أيضا التّأكّد من وجود التّعريف بالإمضاء بالكتائب المقدّمة للتّرسيم لأطراف العقد لدى إحدى السّلط المعنيّة بالفصل 378 من م. ح. ع وإذا كان أحد الأطراف غير قادر على الإمضاء أو لا يحسنه يجب تلاوة محضر في الغرض....

كما نصّ الفصل 389 على أن يتحقّق مدير الملكيّة العقّاريّة من صحّة الوثائق وهو ما يجعله يراقب صحّة الصّكوك الخاضعة للتّرسيم بالسّجلّ الغقّاري حيث أقرّ المشرّع مبدأ الاختصاص في تحرير هذا النّوع من الصّكوك، وقد جاء هذا الإصلاح في إطار المساهمة والحدّ ومقاومة ظاهرة الرّسوم المجمّدة، وفي هذا الإطار حدّد المشرّع الأجهزة المختصّة في التّحرير ضمن الفصل 377 مكرّر من م. ح. ع الّذي أقرّه القانون عدد 46 المؤرّخ في 4 ماي 1992 وهم، حافظ الملكيّة العقّاريّة والمديرون الجهويّون وأعوان سلك التّحرير لدى الإدارة، وعدول الإشهاد والمحامون من غير المتمرّنين.

وسلّط التّحقيق على التّنصيصات الرّئيسة المتعلّقة بمحرّر العقد والّذي يجب أن ينصّ به على هويّته كاملة طبقا لفصل 377 ثالثا (فقرة ثانية) المنقّح بمقتضى القانون عدد 35 لسنة 2001، أمّا البيانات الأخرى فإنّ الإدارة ترى في عدم التّنصيص على واجب الاطّلاع بالصّكّ أو إعلام الأطراف بالحالة القانونيّة الواردة برسم الملكيّة لا تأثير لها على التّرسيم فقابليّة العقد للتّرسيم قرينة على الاطّلاع، إضافة إلى أنّهما يتعلّقان بمسؤوليّة المحرّر وليس بشروط التّرسيم.

§                  التّحقيق  في مطالب التّرسيم من حيث الموضوع

يتحقّق حافظ الملكيّة العقّاريّة في كون الحقّ العيني موضوع العمليّة المطلوبة مرسّما بالرّسم العقّاري احتراما لمبدإ تسلسل التّرسيم وفقا لما جاء به الفصل 392 من م. ح. ع، أمّا التّحقيقات الأخرى فهي أيضا متعدّدة، ويتمّ التّحقيق في اسم العقّار ومساحته ومحتواه بعدد القطع الخاصّة والمشتركة المكوّنة له إن كان مجزّءا ونسبة الملكيّة إن كان مشاعا وموضوع التّرسيم والتّحمّلات والارتفاقات الموظّفة عليه أو له ومراجع إيداعه ومعرّف الرّسم العقّاري وسند الملكيّة المسلّم وفق أحكام الفصل 377 المنقّح بالقانون عدد 35 لسنة 2001، وهذه التّنصيصات وجوبيّة تؤدّي في حالة تخلّف إحداها إلى رفض التّرسيم.

كما أنّ سلطات حافظ الملكيّة العقّاريّة تطبيقا لمبدإ الشّرعيّة تمتدّ إلى مراقبة هويّة أطراف الصّكّ، وهو ما أقرّه الفصل 389 من م. ح. ع حيث يتحقّق من هويّة الأطراف سواء كانوا أشخاصا طبيعيّن أو معنويّين.

- بالنّسبة إلى الشّخص الطّبيعي: تتحقّق إدارة الملكيّة العقّاريّة من هويّته كما وردت ببطاقة التّعريف الوطنيّة أو مضمون ولادته وحرفته ومقرّه (317 فقرة أولى) والغاية من التّنصيص على جميع عناصر الحالة المدنيّة بسند التّرسيم تختلف باختلاف عناصرها.

فالاسم واللّقب للتّعريف بالشّخص ومدى تطابقه مع بيّنات الرّسم العقّاري أو عدم تطابق بين الرّسم والوثائق  موضوع مطلب التّرسيم.

§     الحرفة: والتّنصيص عليها على غاية من الأهمّيّة حتّى تمكّن من مراقبة أهليّة اكتساب حقّ عينيّ موضوع نزاع لدى المحاكم.

§     المقرّ: والغاية منه توجيه المراسلات الصّادرة إلى أطراف الصّكّ، وقد وجب الفصل 385 من م. ح. ع اختيار مقرّ لكلّ شخص يقع باسمه ترسيم بالسّجلّ العقّاري.

§     الجنسيّة: والهدف منها مراقبة مدى وجود طرف أجنبي في مطلب التّرسيم حيث يقع تطبيق قانون عدد 45 المؤرّخ في 4 جوان 1957 والقوانين الّتي تمّمته الّذي جاء في فصله الأوّل أنّ جميع الحقوق العقّاريّة الكائنة بالبلاد التّونسيّة والمتعلّقة بالأراضي الصّالحة للفلاحة وكذلك الأراضي غير المبنيّة وغير المقسّمة والمبنيّة والّتي تكون موضوع عمليّات عقّاريّة وكان أحد أطرافها أجنبيّا يجب أن تخضع لرخصة الوالي إذا كانت موضوع عمليّات بين الأحياء.

أمّا في ما يتعلّق بالتّنصيص على تاريخ الولادة فالغاية تطبيق قواعد القانون المدني لحماية القصّر.

وفي ما يتعلّق بالأشخاص المعنويّين، فقد نصّ الفصل 377 من م. ح. ع على ضرورة التّنصيص على اسمه ومقرّه الاجتماعي وشكله القانوني وممثّله وعدد التّرسيم بالسّجلّ التّجاري إن كان شركة وتاريخ التّصريح بالتّكوين وعدد التّأشيرة القانونيّة وكلّ بيان يسهّل التّعرّف إليه إن كان جمعيّة، وأهمّ ما يمكن مراقبته في هذا المجال سلطة الممثّل القانوني من خلال القانون الأساسي المودع بالإدارة، أمّا بالنّسبة إلى الشّركات فزيادة على ذلك مراقبة العنصر الأجنبي بالشّركة لتطبيق القانون المتعلّق بالرّخص الإداريّة وذلك بالرّجوع إلى المرسوم عدد 14 المؤرّخ في 30 أوت 1961 المتعلّق بتحديد الجنسيّة التّونسيّة للشّركات، ويجب الإشارة إلى أنّ المشرّع التّونسي يحجّر على الشّركات الخفيّة الاسم اكتساب العقّارات الفلاحيّة إلاّ استثناء.

هذا إلى جانب المراقبة التي تكون مجال قوانين خاصّة ومتفرّقة، ففي حالة القيام بهذا التّحقيق وعدم وجود أيّ مانع قانوني للتّرسيم فإنّ حافظ الملكيّة العقاريّة يتّخذ قرارا في التّرسيم ويدوّن الحقّ العينيّ بصحيفته العينيّة ويكتسب قوّة ثبوتيّة تجاه الغير وتجاه الأطراف.

وعندما يتّخذ قرار قبول التّرسيم أو التّشطيب أو التّعديل يقع تضمينه بدفتر الإيداع الّذي نصّ عليه الفصل 380 فقرة أخيرة من م. ح. ع، ويتمّ ذلك بملخّص للعمليّات المقبول ترسيمها ويتمّ ختمه يوميّا.

وأمام تعدّد نوعيّة العمليّات عمدت إدارة الملكيّة العقّاريّة إلى ترتيب دفاتر إيداع مختلفة حسب موضوع كلّ عمليّة يقع فيها تجسيم قرارات التّرسيم والعمليّات الطّارئة عليه مثل إعداد دفتر إيداع الرّهون ودفتر إيداع العقل ودفتر إيداع العمليّات المختلفة، بيوعات، هبات، معاوضات... وعند الانتهاء من الإيداع يتمّ المرور إلى النّسخ والمقابلة بالرّسم العقّاري ويتمّ التّرسيم بالرّسم العقّاري على التّعاقب وينصّ فيه على ما يلي وفق الفصل 398 المنقّح بالقانون عدد 35 لسنة 2001:

§                  الصّكّ وتاريخه ومراحع تسجيله بالقباضة المليّة ونوع العمليّة المقبولة.

§                  هويّة الطّرف النتعلّق التّرسيم بحقوقه.

§                  موضوع التّرسيم ومراجعه بالرّسم العقّاري.

§                  التّحمّلات والارتفاقات الموظّفة لفائدة العقّار أو عليه.

§                  الثّمن أو قيمة المعاملة ونسبة الفائض ومدّته بالنّسبة إلى الرّهن.

§                  مراجع إيداع التّرسيم المقبول وعدده وتاريخ سند الملكيّة الملغى والمسلّم.

فقرة ثانية: آثار قرارات التّرسيم الإداري

لم تعد التّصرّفات القانونيّة منتجة للحقّ العيني مباشرة، وهو يفيد تراجع دور إرادة الأطراف أمام التّدخّل التّشريعي الّذي يفرض التزامات لا يمكن مخالفتها أو الاتّفاق على خلافها.

فالأثر العيني للتّصرّف لا ينشأ إلاّ بالتّرسيم بالسّجلّ العقّاري (أ) ممّا يتطلّب تحديد الرّسوم العقّاريّة كشرط لنشأة الحقّ(ب).

أ‌-   التّرسيم شرط لنشأة الحقّ العيني

لم يعد التّرسيم بالسّجلّ العقّاري مجرّد إجراء إداري للاحتجاج على الغير وفقا لنصّ الفصل 305 قديم من م. ح. ع.

فقد زال الوضع القانوني القديم الّذي يعتبر الصّكوك منتجة لآثارها العينيّة بمجرّد توفّر شروطها، فالعقد مثلا منتج لآثاره العينيّة مباشرة بين أطرافه بمجرّد إبرامه، فانتقال الحقّ العيني هو انتقال فوريّ، أمّا إزاء الغير فيشترط التّرسيم بالرّسم العقّاري.

هذا النّظام الّذي يميّز بين نشأة الحقّ العيني بمجرّد التّصرّف القانوني والاحتياج على الغير، أحدث أزمة في نظام السّجلّ العيني حيث لم يعد الرّسم العقّاري مواكبا للحالة الواقعيّة للعقّار والحقوق العينيّة المترتّبة عليه وأصبحت بيانات السّجلّ العقّاري لا تعكس حقيقة الملكيّة والتّحمّلات المترتّبة على العقّارات المسجّلة، وهو ما تسبّب في ظاهرة جمود الرّسوم وعدم فعاليّة الغاية الإشهاريّة من الرّسوم، ممّا انعكس على سلامة المعاملات وعلى نظام العقّارات المسجّلة.

وأمام هذا الوضع، تدخّل المشرّع في إطار إصلاح تشريعي وأعاد تكريس مبدأ المفعول المنشئ للتّرسيم الّذدي تمّ إقراره بموجب المجلّة العقّاريّة، ثمّ تمّ التّخلّي عنه بمقتضى الأمر العليّ المؤرّخ في 16 ماي 1886، وتمّ تنقيح الفصل 305 من م. ح. ع وجاء بأحكامه الجديدة أنّ "كلّ حقّ عينيّ لا يتكوّن إلاّ بالسّجلّ العقّاري وابتداء من تاريخ ذلك التّرسيم..." ويعني هذا المبدأ ارتباط نشأة الحقّ العينيّ بالتّرسيم فلم يعد الإيجاب والقبول كاف لتوليد الأثر العينيّ بل لا بدّ من التّوجّه لإرادة ثالثة وهي إرادة حفظ الملكيّة العقّاريّةالّذي يسلّط مبدأ الشّرعيّة على سند التّرسيم عقد أو حكم أو صكّ إداريّ لاتّخاذ التّرسيم في شأنه، فكلّ حقّ عينيّ لا يتكوّن إلاّ بالتّرسيم بالسّجلّ العقّاري، فقرارات التّرسيم لها نفاذ حيني سواء بين الأطراف أو في مواجهة الغير.

ويتمثّل هذا النّفاذ في تكوّن العيني أي إنتاج التّصرّف القانوني لأثره الجوهري وهو الأثر العينيّ، فالتّرسيم أصبح سندا لنشأة الحقّ وانتقال الحقّ العيني والتّصريح به وتعديله وانقضائه، فجميع الاتّفاقات تخضع لشكليّة التّرسيم كشرط قانوني لاستكمال موضوعهافعقد بيع عقّار مسجّل مثلا لا ينقل الملكيّة للمشتري وإنّما يشترط التّرسيم وهو الشّرط الّذي يخوّل للمشتري سلطات التّصرّف والاستعمال والاستغلال، كذلك الرّهن العقّاري حيث لا يتكوّن إلاّ من يوم ترسيمه العقّاري وفق الفصل 278 من م. ح. ع فالدّائن المرتهن لا يمكنه ممارسة حقّ التّتبّع وحقّ الأفضليّة إلاّ بترسيم عقد الرّهن.

وفي مثل صورة عقد البيع لأنّه الأكثر تواترا لا يعني أنّ العقد لم يتكوّن بل يعني فقط تعطيل الأثر العينيّ. فالتّرسيم ليس بشرط صحّة التّصرّف القانوني وإنّما شرط لإنتاج الأثر العينيّ وهو ما يفرد هذه التّصرّفات بنظام خاصّ قبل التّرسيم.

فقد أقرّ الفصل 373 من م. ح. ع "ويترتّب عن عدم إشهار الأمور الواردة بالفقرتين المذكورتين أنّ الحقوق العينيّة الواردة بها لا تكون حجّة في ما بين المعنيين أنفسهم ولا يترتّب عن تلك الأمور سوى التزامات شخصيّة، "والقصد من الاعتراف بالأثر الشّخصي للصّكّ غير المرسّم يتمثّل خاصّة في تمكين الأطراف من أساس قانوني لتنفيذ الالتزامات الشّخصيّة مثل حقّ استرجاع ما دفع إن استحال التّرسيم، وفي الآن ذاته حثّ تلك الأطراف على القيام بترسيم الصّكّ إن كان ذلك ممكنا.

ومن أهمّ الالتزامات ما يفرض على البائع تطبيقا لواجب التّعاون، ومن ضرورة تسهيل عمليّة التّرسيم بمدّ المشتري بالوثائق اللاّزمة، ويتدعّم ذلك باعتماد القاعدة العامّة الّتي أوردها الفصل 243 من م. إ. ع والّتي جاء فيها "يجب الوفاء بالالتزامات من حيث القانون أو العرف أو الإنصاف حسب طبيعته"، فالالتزامات الشّخصيّة تشمل المطالبة بفسخ الالتزام واسترجاع الثّمن وتعويض الخسارة إن استحال التّرسيم والحقّ في المطالبة بتسيير الوثائق المطلوبة وتسليمها، وإلزام الطّرف البائع بعدم التّفويت".

وقد يتلذّذ الطّرف البائع في تسهيل عمليّة التّرسيم بمدّ المشتري مثلا بكتب توضيحي لموضوع البيع ممّا يضطرّه إلى التّنفيذ العينيّ باللّجوء إلى القضاء وإلزامه بإبرام كتب توضيحي أو يقوم الحكم مقامه مع طلب الإذن بالتّرسيم، وهو ما يؤدّي إلى تجاوز الوضع غير العادل قبل عمليّة التّسيم خاصّة وأنّ البائع يبقى متمتّعا بثمار المبيع رغم تسلّمه الثّمن والمشتري قام بدفع معاليم التّسجيل إلى القباضة الماليّة وإلاّ يتعذّر عليه التّرسيم وفق نصّ الفصل 394 من م. ح. ع، خاصّة وأنّ المشرّع لا يعتدّ بالأثر الرّجعي للتّرسيم إلى تاريخ إبرام عقد البيع لأنّ أحكام الفصل 305 جديد من م. ح. ع لا يتترك مجالا لاتّفاق الأطراف على خلافها، فالحقّ العينيّ لا يتكوّن إلاّ بالتّرسيم وابتداء من ذلك التّاريخ، قصلاحيّات المشتري لا يمكن ممارستها إلاّ إذا انتقل الحقّ العيني.

إلاّ أنّ نشأة الحقّ العينيّ بموجب التّرسيم لا يمكن العمل بها إلاّ في ظلّ رسوم عقّاريّة معيّنة وهو مل يتطلّب تحديدها.

ب‌-                      الرّسوم العقّاريّة المعنيّة بالتّرسيم كشرط لنشأة الحقّ العيني

إذا كان التّرسيم عمل إداري منشئ للحقّ العيني فإنّ ذلك لا ينطبق إلاّ في إطار الرّسوم الخاضعة لمبدإ المفعول المنشئ للتّرسيم، وهو ما يتطلّب تحديد هذه الرّسوم الّتي اتّسمت بداية بعدم الوضوح ولم تتوضّح نهائيّا إلاّ سنة 2001، فالمشرّع أقرّ مبدأ المفعول المنشئ للتّرسيم بموجب الفصل 305 جديد من م. ح. ع وهو ما استوجب تنقيح الفصل 581 من م. إ. ع وتنقيح الفصل 204 من م. أ. ش.

هذه القوانين نصّت جميعها على تأجيل نفاذها مدّة ثلاثة سنوات على أمل أن تقضي اللّجان الجهويّة لتحيين الرّسوم العقّاريّة وتخليصها من الجمود خلال هذه الفترة على ظاهرة الرّسوم المجمّدة، إلاّ أنّ ذلك لم يتحقّق فتمّ التّمديد في بداية سريان القوانين عدد 46 وعدد 47 وعدد 48 لمدّة ثلاثة سنوات ولفترة ثانية بموجب القانون عدد 30 لسنة 1998.

هذا التّمديد الأخير في دخول مبدإ المفعول المنشئ للتّرسيم لم يشمل جميع الرّسوم العقّاريّة، حيث أنّ التّرسيم بالسّجلّ العقّاري أصبح ينشئ الحقّ العيني في إطار رسوم معيّنة، وهي رسوم يشملها مبدأ المفعول المنشئ للتّرسيم، هذه الرّسوم لم تكن بالوضوح الكافي لتطبيق المبدإ، وهو ما تأكّد بموجب القانون عدد 34 لسنة 2001.

فالمشرّع تدخّل في مرحلة أولى لتطبيق مبدأ المفعول المنشئ للترسيم على الرّسوم المحدثة بداية من دخول القانون عدد 30 لسنة 1998، وفي مرحلة أخيرة بموجب القانون عدد 34 لسنة 2001 على الرسوم المحدثة تنفيدا لأحكام التّسجيل والرّسوم التي تمّ فيها ختم إجراءات التّحيين.

1.الرّسوم المحدثة على معنى القانون عدد 30 لسنة 1998

أدخل هذا القانون الفصل 305 جديد حيّز التّنفيذ وأصبح التّرسيم منشأ للحقّ العينيّ، فقد نصّت الفقرة الثانية من الفصل الوحيد الذي جاء به قانون عدد 30 لسنة 1998 "ويشمل التّمديد المذكور جميع الرّسوم العقاريّة عدى ما أحدث منها بعد دخول هذا القانون حيّز التنفيذ". يبدو وأنّ التّرسيم كشرط منشئ للحقّ العيني أو مبدأ المفعول المنشئ للتّرسيم يشمل جميع الرّسوم العقاريّة المحدثة، وبتطبيق القاعدة العامّة الواردة ضمن الفصل 633 من م.إ.ع "إذ كانت عبارة القانون مطلقة جرت على إطلاقها"، فإنّ الرّسوم المحدثة ستكون الرّسوم العقاريّة تنفيذا لأحكام التّسجيل وفقا للفصلين 316 و358 من م.ح.ع أو الرّسوم الواقع استخراجها من الرّسوم الأصليّة أو الفرعيّة نتيجة التّجزئة الماديّة للعقّار على إثر قسمة أو تقسيم حيث يقام رسم عقّاري خاصّ لكلّ جزء مفرز من أجزاء العقّار.

وقد عملت إدارة الملكيّة العقّاريّة على إخضاع جميع الرّسوم الواقع إقامتها بعد دخول القانون عدد 30 لسنة 1998 إلى مبدإ المفعول المنشئ للتّرسيم بوضع طابع على الرّسوم المعنيّة محتواه "رسم خاضع لمبدإ المفعول المنشئ للتّرسيم"

إلاّ أنّ هذا الوضع القانوني لم يتواصل، فعندما تأكّد أنّ تجربة التّحيين لم تكن بالنّجاعة المطلوبة ولا يمكن خلال هذه الفترات تحيين الرّسوم العقّاريّة المجمّدة تدخّل المشرّع في إطار إصلاح تشريعي ثان وسحب مبدإ المفعول المنشئ للتّرسيم على رسوم عقّاريّة معيّنة بموجب القانون عدد 91 لسنة 2000 الّذي أخضع للمفعول المنشئ للتّرسيم "جميع الرّسوم العقّاريّة المحدثة تنفيذا للأحكام الصّادرة بالتّسجيل ابتداء من دخول القانون عدد 30 لسنة 1998 المؤرّخ في 20 أفريل 1998 المتعلّق بالتّمديد في مفعول الأحكام الانتقاليّة المرتبطة بتحيين الرّسوم العقّاريّة حيّز التّنفيذ وكذلك على الرّسوم الّتي تمّ تحيينها".

ويثير سحب مبدإ المفعول المنشئ للتّرسيم على الرّسوم المحيّنة إشكالا لا يمكن فهمه إلاّ على ضوء القانون عدد 34 لسنة 2001 الّذي نصّ في فصله الثّاني "أنّ المحكمة العقّاريّة تواصل النّظر في تطبيق الإجراءات الرّامية لتحيين الرّسوم العقّاريّة بعد انتهاء مفعول القانون عدد 30 لسنة 1998 إلى حين إجراء العمل بالأحكام المرتبطة بالمفعول المنشئ للتّرسيم".

وهو ما يؤكّد عدم انطباق المفعول المنشئ للتّرسيم على الرّسوم المحيّنة من طرف اللّجان الجهويّة.

إضافة إلى ذلك فقد استثنى الفصل الثّالث من القانون عدد 34 لسنة 2001 من مجال انطباقه ما تمّ تحيينه من الرّسوم العقّاريّة تطبيقا لهذا القانون ولم يستثني الرّسوم العقّاريّة الّتي تمّ تحيينها بموجب القانون عدد 39 لسنة 1992 والّتي تبقى خاضعة للتّحيين وبالتّالي لا يشملها مبدأ المفعول المنشئ للتّرسيم.

كما أنّ أحكام القانون عدد 34 لسنة 2001 لا تفيد خضوع جميع الرّسوم المحيّنة إلى مبدإ المفعول المنشئ للتّرسيم وإنّما رسوم معيّنة ثمّ ختم إجراءات التّحيين فيها.

2. الرّسوم الّتي تمّ ختم إجراءات التّحيين فيها

لا تتحقّق غاية المشرّع من تحيين الرّسوم العقّاريّة إلاّ بختم إجراءات التّحيين وإخضاع الرّسوم العقّاريّة من موضوع التّحيين إلى مبدإ المفعول المنشئ للتّرسيم.

وقد نصّ الفصل 23 على أنّه "إذا شمل التّحيين كامل الرّسم العقّاري موضوع المطلب أو نشأ عنه إحداث رسم عقّاري جديد، تقرّر المحكمة ولو دون طلب ختم إجراءات التّحيين بالنّسبة إلى الرّسمين المذكورين".

وتقرّر المحكمة ختم إجراءات التّحيين إذا شمل التّحيين كامل الرّسم العقّاري أو إذا نشأ عن مطلب التّحيين إقامة رسم عقّاري، وعند تنفيذ الحكم بالرّسمالعقّاري المعنيّ تنصّ إدارة الملكيّة العقّاريّة على ختم إجراءات التّحيين وخضوع هذه الرّسوم إلى أحكام الفصل 2 من القانون عدد 46 لسنة 1992 والفصل 2 من القانون عدد 47 والفصل 2 من القانون عدد 48 لسنة 1992.

فالرّسوم العقّاريّة الّتي تمّ تحيينها على معنى القانون عدد 34 لسنة 2001 لا تخضع جميعها إلى مبدإ المفعول المنشئ للتّرسيم، وإنّما إلاّ ما تمّ فيها ختم إجراءات التّحيين وهو التّحيين القضائي والفعلي الّذي يخرج العقّار من حياة الخفاء إلى العلن ويكمل نظام الإشهار العينيّ بإخضاع الرّسوم إلى مبدإ المفعول المنشئ للتّرسيم.

ويمكن الإشارة في هذا الإطار إلى أنّ ختم إجراءات التّحيين لا يمكن أن تكون وجوبا في إطار مطالب التّحيين وإنّما أيضا في إطار مطلب أصلي في طلب ختم إجراءات التّحيين، وهو ما يساهم في التّسريع في إخضاع الرّسوم العقّاريّة إلى مبدإ المفعول المنشئ للتّرسيم مثل حالة طلب ضم رسم عقاري غير خاضع لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم إلى رسم عقّاري خاضع لمبدإ المفعول المنشئ للتّرسيم.

فالتّرسيم لا يمكن أن ينشئ حقوقا عينيّة إلاّ في إطار رسوم تمّ إحداثها بداية من دخول قانون عدد 30 لسنة 1998 تنفيذا للأحكام الصّادرة بالتّسجيل أو رسوم عقّاريّة تمّ ختم إجراءات التّحيين فيها على معنى الفصل 23 من القانون عدد 34 لسنة 2001 المنقّح بالقانون عدد 67 لسنة 2009.



مبحث ثان: القرارت السّلبيّة


نصّ الفصل 388 من م. ح. ع على أنّه "لا يمكن لإدارة الملكيّة العقّاريّة إلاّ إذا كان هنالك مانع قانونيّ أن ترفض بصفة نهائيّة أو تؤجّل ترسيما أو تشطيبا أو حطّا من ترسيم أو تعديل ترسيم وقع طلبه بصفة قانونيّة ولا يمكن أن ترفض أو تؤجّل تسليم سندات الملكيّة أو الوثائق المحفوظة لديها لمن له الحقّ فيها ولا يمكن أن ترفض أو تؤجّل تسليم الشّهادات أو نسخ الرّسوم لمن يطلبها"، وقرار إدارة الملكيّة العقّاريّة برفض أو تأجيل ذلك يقبل الطّعن لدى المحمة العقّاريّة في أجل شهر من تاريخ الإعلام به، ويعتبر سكوت إدارة الملكيّة العقّاريّة بعد انقضاء أربعة أشهر رفضا...".

يتبيّن من خلال الفصل 388 من م. ح. ع أنّ حافظ الملكيّة يمكنه أن يصدر قرارات سلبيّة موضوعها رفض أو تأجيل ترسيم أو رفض تأجيل القيام بعمليّة موضوعها ترســيم سابق، أو رفض تسليم وثائق لمن له الحقّ فيها.

هذا الرّفض يجب أن يكون مؤسّسا على وجود مانع قانونيّ، ويتأكّد ذلك من خلال صيغة الوجوب الواردة بالفصل 388 م.ح.ع من خلال استعمال عبارة "لا يمكن" ممّا يفيد أنّ المبدأ هو التّرسيم والاستثناء هو الرّفض المبرّر والمؤسس على مانع قانوني.

إلى جانب الرّفض النّهائي لا يمكن لحافظ الملكيّة العقاريّة تأجيل مطالب التّرسيم والوثائق المطلوبة إلاّ إذا كان هنالك مانع قانونيّ، فحافظ الملكيّة العقارية مؤتمن على مبدإ الشّرعيّة عند القيام بمختلف العمليّات المتعلّقة بالسّجلّ العقّاريّ، يتولّى قبل قيامة بأيّ عمليّة مباشرة التّحقيقات الّتي تقتضيهام.ح.ع وفق أحكام الفصل 306، وتحقيقا لمبدإ الشّرعيّة يتحقّق حافظ الملكيّة العقّاريّة من هويّة الأطراف وأهليّتهم ومن صحّة الوثائق المدلى بها تأييدا لمطلب التّرسيم.

كما لا تقع مباشرة العمليّة المطلوبة إلاّ إذا كان الحقّ المراد ترسيمه أو قيده قيدا احتياطيّا من الحقوق الّتي أقرّتها م. ح. ع، هذا إلى جانب تحقّقه من كون العمليّة المطلوبة لا تتعارض مع البيانات الواردة برسم الملكيّة وأنّ لا شيء يمنع من التّصرّف في الحقّ الّذي تمّت إحالته أو إنشاؤه وأنّ الوثائق المدلى بها تبيح مباشرة العمليّة المطلوبة.

فإذا تبيّن أثناء التّحقيق في مطالب التّرسيم وجود مانع قانونيّ يتعلّق بالحقوق موضوع المؤيّدات أو بشكل المؤيّدات أو عدم تطابق بين البيانات الواردة برسم الملكيّة والوثائق موضوع مطلب التّرسيم أو إخلال بقواعد مسك السّجلّ العقّاريّ، فمآل التّحقيق هو رفض مطلب التّرسيم تطبيقا لمبدإ الشّرعيّة.

فالمانع القانونيّ هو السّبب القانونيّ الّذي يقرّه مبدأ الشّرعيّة والّذي يقف حائلا أمام عمليّة التّرسيم، فالموانع القانونيّة هي الّتي نصّ عليها القانون عموما ومجلّة الحقوق العينيّة بالخصوص لا سيّما الواجبات الواردة بالعنوان الثّالث من الكتاب الثّاني المعنون بإقامة رسم الملكيّة.

فإذا توفّر المانع القانونيّ فعلى حافظ الملكيّة العقّاريّة تطبيقا لمبدإ الشّرعيّة أن يتّخذ قرارا نهائيّا لافي الرّفض أو التّأجيل وهو ما يؤكّد تنوّع القرارات الصّادرة بالرّفض (قسم أوّل).

وإذا كانت قرارات الرّفض ذات طبيعة سلبيّة على طالب التّرسيم، فإنّ ذلك لا يحجب آثارها في تحيين الرّسم العقّاري، وضمان حقوق االمتضرّر من القرارات السّلبيّة وهو ما سيقع معالجته من خلال آثار قرارات الرّفض (قسم ثان).


dourouby.tn

 

القسم الأوّل: تنوّع قرارات الرّفض


اقتضى الفصل 388 من م. ح. ع أن لا يتمّ الرّفض بصفة نهائيّة للتّرسيم والوثائق المطلوبة إلاّ إذا كان هنالك مانع قانونيّ، وضمانا لحقوق طالبي الخدمة والحدّ من سلطة حافظ الملكيّة العقّاريّة اعتبر المشرّع أنّ السّكوت لمدّة أربعة أشهر يعدّ رفضا ضمنيّا يخوّل اللّجوء للقضاء للطّعن في قرار الرّفض وهو ما يفيد أنّ المشرّع صنّف قرارات الرّفض إلى قرارات رفض نهائي (فقرة أولى) وقرارات تأجيل (فقرة ثانية).


فقرة أولى: قرارات الرّفض النّهائي

تطبيقا لمبدإ الشّرعيّة، يمكن لحافظ الملكيّة العقّاريّة اتّخاذ قرارات رفض ترسيم وثائق متعلّقة بحقوق عينيّة، أو تسليم وثائق لمن يطلبها أو لمن له الحقّ فيها، وهذا الرّفض يمكن أن يكون رفضا صريحا مسبّبا (أ) أو رفضا ضمنيّا (ب).

أ‌-   الرّفض الصّريح

قد يفضي التّحقيق في مطالب التّرسيم من طرف إدارة الملكيّة العقّاريّة إلى رفض مطلب التّرسيم لوجود مانع قانونيّ يتعذّر معه قبول عمليّة التّرسيم، ويتعذّر معه إمكانيّة قبول عمليّة التّرسيم مستقبلا على الأقلّ بالنّسبة إلى الإدارة.

فحافظ الملكيّة العقّاريّة هو المؤتمن على مبدإ الشّرعيّة من خلال التّحقيق في مطالب التّرسيم وفق ما تخوّله له مجلّة الحقوق العينيّة والقوانين الّتي لها علاقة بالسّجلّ العقّاري،وعدم تطبيق مبدإ الشّرعيّة تنجرّ عنه مسؤوليّة الدّولة وقد يؤدّي ذلك إلى المسؤوليّة الشّخصيّة إذا كان الخطأ جسيما أو متعمّدا، هذه التّحقيقات في مطالب التّرسيم تؤدّي إلى إصدار قرارات رفض لطلبات ترسيم أو تشطيب أو تعديل ترسيم.

وتتنوّع قرارات الرّفض بتنوّع الملفّات موضوع طلب الخدمة ويكون ذلك إذا كانت الحالة القانونيّة للرّسم العقّاري لا تسمح بإدراج مطلب التّرسيم ولو بتعديلات بسيطة على مؤيّدات التّرسيم، وهي حالة رفض مطلب التّرسيم إذا كان مخالفا لمبدإ تسلسل التّرسيم وفق ما نصّ عليه الفصل 392 م. ح. ع، فلا يقع ترسيم الحقّ العينيّ إلاّ إذا كان منجرّا مباشرة ممّن سبق ترسيمه باسمه، فقد يقع إيداع مطلب ترسيم موضوعه هبة أو بيع دون أن يكون البائع أو الواهب مالكا بالرّسم المعنيّ، ودون أن يقع التّنصيص على مراجع انجرار الملكيّة وبيان تاريخ التّرسيم والمجلّد والعدد طبقا للفصل 377 م. ح. ع ممّا يتعذّر معه التّرسيم بصفة نهائيّة، ويشار في هذه الحالة إلى المودع بضرورة احترام أحكام الفصل 392 من م. ح. ع.

كما قد يتضمّن الرّسم العقّاريّ المعني موانع قانونيّة تحول دون تقديم الخدمة، مثلا في حالة وجود اعتراض تحفّظي على العقّار وهو ما نصّ عليه الفصل 328 من م. م. م. ت، حيث لا يجوز ابتداء من ترسيم الاعتراض التّحفّظي على العقّار ترسيم أيّ تفويت أو غيره من الحقوق العينيّة، وهو حال وجود عقلة عقّاريّة على العقّار موضوع مطلب التّرسيم طبقا لأحكام الفصل 454 من م. م. م. ت.

كما يتعذّر التّرسيم في حالة وجود قيد احتياطي لأمر انتزاع بالرّسم العقّاري سواء كان على جميع العقّار أو على جزء منه عملا بأحكام الفصل 37 من القانون عدد 85 لسنة 1976 المؤرّخ في 11 أوت 1976، ويجب الإشارة في هذا المجل أنّ الفصل 37 المذكور تمّ إلغاؤه وأنّ أمر الانتزاع أصبح يقبل التّرسيم فقط ويخضع لمبدإ المفعول المنشئ للتّرسيم بموجب الفصل 2 جديد من القانون المذكور.

كما يتوفّر المانع القانوني في صورة وجود شروط فسخيّة رضائيّة مثل حالة عدم التّفويت في العقّار لمدّة معيّنة أو عدم التّفويت في العقّار إلاّ بالإدلاء بما يفيد دفع كامل التّمن. إلى جانب ذلك تعدّ الشّروط الفسخيّة القانونيّة مانعا قانونيّا يخولّ لحافظ الملكيّة العقاريّة رفض مطلب التّرسيم وهو ما أقرهّ الفصل 23 من القانون عدد 21 المؤرّخ في 13 فيفري 1995 المتعلّق بالأراضي الفلاحيّة الدوليّة، وقد أيّد فقه القضاء هذا التّوجّه حيث أقرّ "أنّ ترسيم  الإدارة لشرط سقوط الحق بالسجلّ العقاري يبيّن الوضعيّة الحقيقيّة للعقار،ومن حق الإدارة تبعا لذلك المعارضة بالشّرط المقيّد لحرّية التّفويت فيه".

dourouby

 

dourouby.tn

 

dourouby

 

إلى جانب الموانع المتعلّقة بالرسم العقاري قد يتوفّر المانع القانوني بالكتب موضوع التّرسيم بأن يكون محرّرا على خلاف الصّيغ القانونيّة، فالكتب المتعلّق بحقّ عينيّ وتمّ تحريره من غير الأجهزة المختصّة والمحدّد بالفصل 377 مكرّر من م. ح. ع يعدّ باطلا بطلانا مطلقا، هذا مع مراعاة الاستثناءات الواردة بالفصل المذكور، وقد يتوفّر المانع القانونيّ أيضا إن كان الحقّ العينيّ يتعلّق بعقّار غير مسجّل وتتعدّد الصّور بتعدّد مطالب التّرسيم.

وإذا ما توفّر المانع القانوني تصادر إدارة الملكيّة العقّاريّة قرار رفض يقع تضمينه كتابة يقع فيه تحديد جميع أسباب الرّفض، ويتمّ إعلام المعني بالأمر بواسطة رسالة مضمونة الوصول يثبت فيها تاريخ إصدارها وعددها، وكلّ ذلك في أجل لا يتجاوز أربعة أشهر من تاريخ تقديم المطلب.

إنّ ما يمكن ملاحظته في هذا الإطار هو كون قرارات الرّفض ما هي إلاّ تطبيق لمبدإ الشّرعيّة وهي تجسيم لتحقيق في مطلب التّرسيم غير المستوفاة للشّروط القانونيّة.

أمّا في ما يتعلّق بقرارات الرّفض المتعلّقة بتسلّم الوثائق، فإنّ الوثائق تسلّم إلى كلّ من له الحقّ فيها، وقد نصّ الفصل 387 من م.ح. ع على ضرورة تسليم كلّ طالب نسخة من الرّسم العقّاريّ أو شهادة ملكيّة أو شهادة عدم ملكيّة وعلى حقّ الاطّلاع على الرّسم العقّاري وتسليم نسخ من الصّكوك المحفوظة طبقا للفصل 376 من م. ح. ع، ولا يوجد أيّ مانع قانونيّ لرفض تمكين طالب هذه الخدمات من طلباته، وإذا ما تمّ يجب أن يقع إعلامه بقرار الرّفض وهو ما لا يتوفّر عمليّا بإدارة الملكيّة العقّاريّة أوّلا لعدم إمكانيّة تعليل قرار الرّفض وثانيا إذا ما تمّ فلا يكون إلاّ في شكل رفض ضمنيّ لمضيّ مدّة أربعة أشهر عن تقديم مطلب الخدمة، ويكون مضيّ أربعة أشهر لا للسّكوت العمدي للإدارة وإنّما لكمّ العمل وظرفه الّتي تختلف من إدارة جهويّة لأخرى.

dourouby

 

dourouby.tn

 

dourouby

 

ب‌-                      قرارات الرّفض الضّمنيّ

   في قراءة عامّة للفصل 388 من م. ح. ع، يمكن أن نستنتج أنّ المشرّع حثّ حافظ الملكيّة العقّاريّة على تسبيب قرارات الرّفض سواء كانت متعلّقة بتسليم الوثائق أو بمطالب التّرسيم، وذلك من خلال عبارة "إلاّ إذا كان هنالك مانع قانونيّ"، هو ما يعني ضرورة تسبيب قرارات الرّفض من خلال تحديد المانع القانونيّ، إلاّ أنّ هذا التّحليل ليس بالبديهيّ فعنصر تسبيب القرار الإداري ليس عنصرا من عناصر عدم شرعيّة القرارات الصّادرة عن حافظ الملكيّة العقّاريّة، إذ أباح له المشرّع إمكانيّة عدم الرّدّ على مطالب الخدمات، ويعدّ في ذلك سكوته عاملا مادّيّا يتحوّل إلى عمل أو تصرّف قانونيّ بمضيّ المدّة المحدّدة وهو ما يتناغم مع قاعدة عدم تسبيب القرارات الإداريّة إلاّ إذا نصّ القانون صراحة على ذلك.

في هذا الإطار نصّ الفصل 388 من م. ح. ع في فقرته الثّانية "فيعتبر سكوت إدارة الملكيّة العقّاريّة، بعد انقضاء أربعة أشهر رفضا"، وهو ما يخوّل لصاحب المصلحة الطّعن أمام المحكمة العقّاريّة، لكن لماذا هذا السّكوت طوال مدّة أربعة أشهر خاصّة في ما يتعلّق بمطالب التّرسيم؟

يرى شقّ من الدّارسين أنّ هذا السّكوت هو سكوت إيجابيّ معبّر وناتج عن دراسة وتمعّن للملفّات، فقد يكون المطلب محرّرا بطريقة غامضة أو مبهمة أو غير ذي موضوع لذلك أعفاها المشرّع من الجواب عن المطالب غير الوجيهة.

لكنّ هذا التّوجّه لا يصمد أمام اعتبار المشرّع أنّ الرّفض الضّمنيّ يتحقّق بمضيّ أربعة أشهر من تقديم المطلب، إضافة إلى أنّه لا يوجد معيار لتحديد المطالب القابلة للرّدّ وغير القابلة، وقد رأى البعض أنّه كان على المشرّع إلزام الإدارة بالرّدّ على المطالب نظرا لما لهذه القرارات من إضرار بحقوق المواطنين.

وقد كان هذا الأجل موضوع احتراز عند مناقشة الفصل 388 من م. ح.ع من طرف لجنة التّشريع العمّ الّتي رأت أنّ هذا الأجل طويل نسبيّا، ويرى البعض أنّ أجل الأربعة أشهر يعود إلى سير العمل بإدارة الملكيّة العقّاريّة وتفاوت آجال درس الملفّات من إدارة جهويّة إلى أخرى.

ومهما يكن من أمر فإنّ أجل أربعة أشهر لا يتناسق مع الأجل في القانون العامّ المحدّد بشهرين حيث نصّ الفصل 37 جديد من القانون عدد 39 لسنة 1996 المؤرّخ في 03 جوان 1996 المنقّح لقانون المحكمة الإداريّة "ويعتبر مضيّ شهرين على تقديم المطلب المسبق دون أن تجيب السّلطة المعنيّة رفضا ضمنيّا".

ورغم ما يمكن إيجاده من تبريرات للرّفض الضّمني، يعدّ هذا الأجل طويلا ويمكن أن يؤدّي إلى نتائج يستحيل تداركها خاصّة مثلا في حالة البيع الثّاني أو الرّهن الثّاني حيث يمكن معارضة صاحب الحقّ الّذي وقع رفض ترسيمه على أساس الفصل 305 جديد من م. ح. ع باعتباره غير واطّلع على السّجلّ العقّاري ولم يجد أيّ مانع قانوني يمنعه من التّعامل على العقّار.

هذا الأجل قد لا يتناغم مع حقّ الملكيّة المضمون دستوريّا والحقوق العينيّة المتفرّعة عنها، ممّا يؤدّي إلى ضرورة تقليص الآجال في الرّدّ عموما وجعل الرّدّ على مطالب الخدمات صريحا خاصّة أنّه لا يوجد ضمان لعد تغيّر الوضعيّة القانونيّة للرّسم العقّاري مثلما أقرّه المشرّع الفرنسي ضمن الأمر المؤرّخ في 14 أكتوبر 1955 من أنّ الحافظ عند رفضه التّرسيم يقوم بالتّنصيص على صحيفة العقّار على "شكليّة في الانتظار« formalité en attente »    وعلى المعنيّ تسوية وضعيّته في ظرف شهر من إعلامه وهو إجراء إداري بمثابة القيد الاحتياطي ولا يتمّ إلاّ إذا كان شرط التّرسيم غير متوفّر.

وأما سلبيّات قرارات الرّفض الضّمني تعمل إدارة الملكيّة العقّاريّة ضمن تدابيرها الدّاخليّة إلى تفادي هذه السّلبيّات بالإسراع في الرّدّ على مطالب التّرسيم والتّسبيب حتّى لا يقع الطّعن في قراراتها على أساس الرّفض الضّمني مع الحرص على ذكر جميع أسباب الرّفض.

ورغم ذلك يبقى الرّفض الضّمني ممارسة قانونيّة رغم ما لها من انعكاسات على الحقوق العينيّة وهو حال قرارات التّأجيل الّتي لا تخلو من السّلبيّات.

dourouby

 

dourouby.tn

 

dourouby

 

فقرة ثانية: قرارات التّأجيل

" لا يمكن لإدارة الملكيّة العقّاريّة إلاّ إذا كان هناك مانع قانوني أن ترفض بصفو نهائيّة أو تؤجّل...".

وقرار إدارة الملكيّة العقّاريّة برفض أو تأجيل ذلك يقبل الطّعن لدى المحكمة العقّاريّة " هذا ما نصّ عليه الفصل 388 منم. ح. ع في فقرته الأولى والثّانيةدون تحديد مفهوم التّأجيل في دراسة الملفّات أو تسليم الوثائق ممّا نتج عنه اختلاف في تحديد مفهوم التّأجيل بين الفقه (أ) وفقه إدارة الملكيّة العقّاريّة (ب).

أ‌-   اتّجاه الفقه في تحديد مفهوم التّأجيل

يتّجه الفقه إلى اعتبار قرارات التّأجيل قرارات وقتيّة في رفض العمليّة المطلوبة، وهي قرارات لا تفيد الرّفض النّهائي للتّرسيم، إذ يمكن للمعنيّ بالأمر بمجرّد تجاوز بعض النّواقص في مطلب التّرسيم، يمكنه إيداع مطلبه من جديد والحصول على إدراج الحق موضوع مطلب الترسيم، فالتّأجيل رفض مؤجّل للتّرسيم ورفض مؤقّت إلى حين الاستجابة إلى طلبات إدارة الملكيّة العقّاريّة.

ويتمظهر الرّفض المؤقّت لمطالب التّرسيم في عديد الصّور الّتي يمكن تجاوزها والّتي نذكر منها حالة تقديم كتائب تتعلّق بحقوق عينيّة غير مسجّلة بالقباضة الماليّة عملا بأحكام الفصل 394 من م. ح. ع حيث يشار إلى طالب التّرسيم بضرورة رفع أسباب الرّفض وذلك بتسجيل الكتب بالقباضة الماليّة أو حالة بيع قطعة مفرزة دون الإدلاء بالمثال الهندسي من الجهة المختصّة أو المطالبة بالإدلاء بمضمون ولادة من دفاتر الحالة المدنيّة لكلّ من اكتسب حقّا عينيّا على عقّار حيث نصّ القانون المتعلّق بنظام الاشتراك في الأملاك بين الزّوجين أنّه "على كلّ من اكتسب حقّا عينيّا على عقّار وبعد إتمام الموجبات القانونيّة أن يدلي صحبة طلب ترسيم حقّه العيني أو تسجيله بمضمون من دفاتر الحالة المدنيّة يخصّه...".

كما يمكن أن يكون الرّفض المؤقّت ناتجا عن عدم تطابق في هويّة الشّخص بين ما ورد بالرّسم العقّاري والسّند المراد ترسيمه أو المطالبة بفريضة عقّاريّة لتحديد نسبة الاستحقاق بالرّسم المعنيّ، وصور الرّفض المؤقّت متنوّعة بتنوّع مطالب التّرسيم.

وإن وقع تبنّي مفهوم الرّفض المؤقّت من طرف الفقه في تحديد معنى التّأجيل فإنّ ذلك لم يمنع من توجيه نقد لهذا الاختيار التّشريعي، فكان على المشرّع أن لا يقحم قرارات الرّفض المؤقّت المتمثّلة في التّأجيل في باب الطّعن حتّى لا يقع إثقال كاهل المحكمة العقّاريّة بعديد القضايا خاصّة وأنّ أغلبها لا يؤول إلى إلغاء قرارات حافظ الملكيّة العقّاريّة ويمكن للمعنيّ تقديم مطلب ترسيم ثان مستوفى الشّروط على ضوء قرار الرّفض المؤقّت حتّى يقبل طلبه ممّا يجنّبه ويجنّب المحكمة الأتعاب ومضيعة الوقت.

ويتدعّم هذا التّوجّه من خلال تأكيد البعض أنّ هذه الصّورة لا تقتضي بالضّرورة الطّعن أمام المحكمة العقّاريّة وكان من الممكن استثناؤها من الحالات الّتي ضبطها المشرّع بالفصل 388 من م. ح. ع.

هذا التّوجّه يبدو أنّه لم يراع عدم وجود ضمانة لطالب التّرسيم عند رفض مطلبه، فإذا ما تمّ إعادة إيداع مطلب التّرسيم بعد تجاوز الموانع القانونيّة المؤقّتة ووقع انتقال الحقّ موضوع المطلب المرفوض إلى الغير فإنّ الضّرر يصبح ضررا محقّقا خاصّة في غياب تقنية التّرسيم المؤقّت أو القيد الاحتياطي المؤقّت والّذي يتمّ مباشرة من طرف حافظ الملكيّة العقّاريّة.

وأمام عدم وجود ضمانات للمتضرّر من رفض التّرسيم كان التّوجّه التّشريعي بإقرار الطّعن في هذه القرارات وتمكينه من تقنية القيد الاحتياطي لمعارضة الغير الّذي اكتسب حقّا على العقّار، وهو ضمان قانوني رغم عدم ضمان ما يملك أن يطرأ في الفترة الفاصلة بين الرّفض المؤقّت والإذن بإجراء القيد الاحتياطي.

أمّا في ما يتعلّق بتسليم الوثائق فلا وجود لقرارات رفض وقتي عمليّا وإن أقرّها القانون لعدم وجود مبرّر لذلك خاصّة وأنّ الوثائق الّتي يقع طلبها تتعلّق بحقوق مرسّمة ولا وجود لموجب قانوني لرفض تسليم الوثائق، وإذا لم تسلّم فإنّ ذلك يعود إلى ظروف عمل الإدارة وليس لرفض مؤقّت يقع الإعلام به، وفي أغلب الحالات الّتي يمكن فيها اعتبار رفض تسليم الوثائق فإنّ ذلك لا يتمّ إلاّ على أساس الرّفض الضّمني.

وقد يتأكّد انعدام الرّفض المؤقّت لتسليم الوثائق من خلال مفهوم الإدارة لمعنى التّأجيل الوارد بالفصل 388 من م. ح. ع والّذي يقتصر على مطالب التّرسيم دون الخدمات الأخرى.

ب‌-           فقه إدارة الملكيّة العقّاريّة في تحديد مفهوم التّأجيل

يتميّز فقه إدارة الملكيّة العقّاريّة بفهم خاصّ لمفهوم التّأجيل الوارد بالفصل 388 من م.ح. ع، حيث تميّز الإدارة بين الرّفض والتّأجيل في التّدابير الدّاخليّة للعمل، ويتأكّد ذلك من خلال المذكّرة عدد 46 لسنة 1995والّتي اعتبرت أنّ أسباب التّأجيل ترجع للإدارة وليس للوثائق أو لطالب التّرسيم، وهي حالة عدم تمكّن الإدارة من دراسة الملفّ فترجئ النّظر فيه إلى تاريخ لاحق وبيوميّة أخرى وهذا هو الحدّ الفاصل بين الرّفض النّهائي والتّأجيل.

ويعني التّأجيل في هذا المفهوم ما يعرف في فقه الإدارة بإعادة التّنزيل بيوميّة أخرى، أي لا يتمّ دراسة الملفّ وإصدار قرار في شأنه بيوميّة إيداعه الأولى أي تاريخ تضمينه بدفتر التّضمين وفق أحكام الفصل 380 من م. ح. ع، ويتدعّم هذا الفهم من خلال المذكّرة عدد 02 لسنة 1999 بالحرص على دراسة مطالب التّرسيم اعتبارا لخصوصيّة بعض الملفّات وخاصّة منها المقاسمات وملفّات التّقسيم والّتي تتعلّق بإنشاء عدد كبير كن الرّسوم العقّاريّة، فإنّ دراستها في الحيّز الزّمني المخصّص لليوميّة قد لا يكفي للبتّ في الملفّ حتّى لا تكون السّرعة في دراسة الملفّات سببا في عدم الدّقّة في الدّراسة فإنّه بالإمكان إعادة تنزيلها في كلّ اليوميّات الموالية، وإعادة التّنزيل تشمل أيضا الملفّات الّتي هي موضوع دراسة من قبل الإدارة المركزيّة لوجود إشكاليّات قانونيّة تتطلّب التّدقيق.

ورغم هذا التّوجّه في فهم عبارة التّأجيل، فإنّ إدارة الملكيّة العقّاريّة تقرّ بأنّ قرار التّأجيل الصّريح يقبل الطّعن في أجل شهر من الإعلام به (المذكّرة عدد 46).

فالطّعن في هذا المفهوم موضوعه إعادة التّنزيل وليس قرار رفض مؤقّت وهو ما لا يستقيم واقعيّا حيث لا يتمّ عمليّا إعلام المودع بقرار إعادة التّنزيل، فحتّى لو سايرنا الإدارة في فهمها لعبارة التّأجيل يعدّ هذا العمل خرقا للقاعدة القانونيّة وفق ما نصّ عليه الفصل 388 من م. ح. ع، فالتّأجيل لا يتمّ إلاّ إذا كان هناك مانع قانونيّ، وفي مسألة الحال لا وجود لمانع قانوني، فإعادة التّنزيل لا تستند إلى مانع قانوني وإنّما تنسب للإدارة، وهو ما لا يتوافق مع مفهوم التّأجيل لمانع قانوني، وهذا يفيد عدم سلامة موقف إدارة الملكيّة العقّاريّة في هذا الفهم لأنّ التّأجيل يجب أن يكون مؤسّسا على مانع قانونيّ وهو ما لا يتوفّر في إعادة التّنزيل للملفّات موضوع الإيداع.

ولم تكتف الإدارة بهذا الفهم بل اعتبرت في المذكّرة (عدد 46) المذكورة بمناسبة معالجتها لمفهوم التّأجيل "أنّ المراسلات الّتي توجّهها الإدارات الجهويّة للمودعين لطلب مؤيّدات أو كتائب تكميليّة أو غيرها تعتبر مقرّرات تحضيريّة غير قابلة للطّعن".

إلاّ أنّ هذا الفهم لا يستقيم مع الفصل 388 من م. ح. ع والّذي خوّل الطّعن في قرارات التّأجيل، فالقرارات التّحضيريّة ما هي إلاّ قرارات تستند إلى مانع قانونيّ مثل المطالبة بإدلاء كتب تكميليّ أو غيرها ممّا يقحم هذه القرارات ضمن عبارة التّأجيل ويجعل منها قرارات رفض مؤقّتة للقيام بترسيم العمليّة المطلوبة.

وقد يكون فهم إدارة الملكيّة العقّاريّة في إعطاء فهم آخر للتّأجيل له ما يبرّره والغاية منه إقصاء القرارات التّحضيريّة الّتي هي في واقع الأمر قرارات رفض ترسيم من إمكانيّة الطّعن فيها، وهو في واقع الأمر ما أكّدته المذكّرة عدد 46، وهذا الفهم لا ينسجم مع إقرار حقّ الطّعن ضمن الفصل 388 من م. ح. ع.

وإلى جانب حقّ الطّعن في قرارات الرّفض، فإنّ لهذه القرارات آثارا أخرى على السّجلّ العقّاري وعلى أطراف عمليّة التّرسيم.

 

dourouby

 

dourouby.tn

 

dourouby

 

 

 

 

 

dourouby.tn

ليست هناك تعليقات

-- --