-->

بسم الله والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين

اخر المواضيع

ملكية العلو والسفل أمام المحكمة العقارية



dourouby.tn

 

ملكية العلو والسفل أمام المحكمة العقارية





ملكية العلو والسفل أمام المحكمة العقارية


اعداد : الباحث أحمد ياسين


dourouby.tn

 



المقدمة:

ظاهرة العلو والسفل أو البناء شبه العمودي بدأ في الانتشار في السنوات الأخيرة لأسباب اقتصادية بحتة نظرا لارتفاع ثمن العقارات والشقق والأراضي المعدة للسكنى. فيلجأ رب العائلة إلى السماح لأحد أبناءه ببناء طابق فوق محل سكناه وهو ما يسميه عامة الناس "بالعلو" كما يعمد كذلك إلى السماح لابنه الآخر ببناء علو ثان فوق العلو الأول.

وقد طرح هذا النوع من البناء عدّة إشكاليات قانونية سواء على مستوى تحرير العقود في شأنها وترسيمها بالسجل العقاري أو على مستوى تسجيلها لدى المحكمة العقارية.

وللوقوف على كيفية تعامل المحكمة العقارية مع نظام العلو والسفل فإننا سنتعرض إلى آلية التسجيل (I) وآلية الترسيم (II).

  1. على مستوى التسجيل:

ظل فقه قضاء المحكمة العقارية متأرجحا لسنوات عديدة في خصوص قبول إمكانية تسجيل هذا النوع من المباني وإفراد كل طابق برسم عقاري مستقل.

وأسباب هذا التأرجح تعود أساسا إلى: غياب نص قانوني ينظم ذلك بخلاف نظام ملكية الطبقات الذي خصص له المشرع بابا كاملا في م ح ع وهو الباب الثالث من الفصل 85 إلى الفصل 102.

كذلك وجود الفصل 18 من م ح ع الذي ينص صراحة أن "ملكية الأرض تشمل ما فوقها وما تحتها إلا ما استثناه القانون أو الاتفاق."

هذا الفصل يؤكد صراحة أن مالك الأرض هو الذي يملك مبدئيا المسكن المبني فوقها وكذلك العلو المعتلي عليه أو العلو المعتلي على العلو.إلا أن هذا الفصل يضع استثناء لذلك ويتعلق أساسا بالقانون أو الاتفاق.

وإن كان الاتفاق لا يطرح إشكالا باعتبار أن المشرع تبنى مبدأ سلطان الإرادة وأعطى للأطراف الحق في إنشاء ما يشاؤون من العقود والاتفاقات بل إن ما يحرره الأطراف يعتبر بمثابة القانون بين الطرفين طبق أحكام الفصل 242 م إ ع.ومن بين العقود التي يبرمها الأطراف هي العقود المتعلقة بالطابق الأول أو الطابق الثاني لمحل السكنى مثلما سبق الإشارة إليه أو ما يعرف بالبناءات العائلية.

إلا أن استثناء القانون هو الذي يطرح إشكالا فهل سمح القانون ببيع الهواء أو العلو المعتلي على العقار؟

بالرجوع إلى المجلات القانونية نكاد لا نجد إلا فصلا وحيدا ورد في مجلة الالتزامات والعقود وهو الفصل 573 الذي ينظم هذا النوع من البناء رغم أن البعض لا يزال متمسكا بأن هذا الفصل تم نسخه ضمنيا بعد صدور مجلة الحقوق العينية سنة 1965 وإلغاء بعض الحقوق العينية كحق الهواء والأمفيتيوز والكردار والإنزال.

إلا أن ربط الفصل 573 من م إ ع بالفصل 360 من م ح ع يؤكد لنا أن الفصل المذكور لم يقع نسخه سواء ضمنيا أو صراحة بل نحمد الله على عدم نسخه لأنه في غيابه لا نجد أي نص قانوني ينظم هذا النوع من البناءات المعروف بنظام العلو والسفل.

1ويستروح مما سبق بسطه أن هذا النوع من البناء قابل للتسجيل لدى المحكمة العقارية إذا ما توفرت بعض الشروط الفنية (أ) والقانونية(ب).

  1. الشروط الفنية:

هذه الشروط تتمثل أساسا في عدد الطوابق (1) و كذلك في وجود نقطة التصاق بالأرض (2)

  1. عدد الطوابق الخاضعة لنظام العلو و السفل

أول شرط لقبول تسجيل هذا النوع من المباني هو عدد الطوابق المتكون منها المسكن فإن كان المسكن متكونا من طابق سفلي فقط فهو قابل طبعا للتسجيل لدى المحكمة العقارية ولا يطرح إشكالا.

وإن كان البناء متكونا من طابق سفلي وطابق علوي (R+1)فإنه يشترط أن يكونا الطابقان مستقلان عن بعضهما من حيث المعابر والتجهيزات والقنوات والمصاعد وغيرها من عناصر الملكية المشتركة المنصوص عليها بالفصل 85 من م ح ع. وبالتالي لا وجود لأجزاء مشتركة des parties indivises بينهما بما في ذلك الأرض التي يملكها صاحب الطابق السفلي والسطح الذي يملكه صاحب الطابق العلوي.

وإن كان البناء متكونا من طابق سفلي وطابق أول وطابق ثان و كل منها مستقلا عن الآخر فإننا لا نزال في نظام العلو والسفل رغم أن البعض يخضع هذا النوع من البناء إلى نظام ملكية الطبقات على معنى أحكام الفصل 85 وما بعده من م ح ع باعتباره متكونا من عدّة طوابق والعدّة لغة هي اثنان فأكثر وطالما أن العقار متكونا من ثلاثة طوابق فإنه خاضع وجوبا لنظام ملكية الطبقات إلا أن هذا الرأي لا يستقيم منطقا وقانونا ضرورة أن هذا النوع من البناء لا يتكون في الحقيقة إلا من طابقين (طابق 1 وطابق 2) أما الطابق السفلي فلا يعتبر طابقا (R + 2).

أما من حيث المنطق فلا يعقل أن نخضع هذا النوع من البناءات العائلية إلى نظام ملكية طبقات وما يستوجبه من ضرورة إحداث نقابة للمالكين وجلسة عامة ونظام الاشتراك في الملكية Co-propriété..

  1. وجود نقطة التصاق بالأرض: point de rattachement au sol

الشرط الثاني الفني لقبول تسجيل الطابق العلوي بمفرده دون الطابق السفلي هو وجود نقطة التصاق للطابق العلوي بالأرض ويكون ذلك في شكل مدرج مستقل ترجع ملكيته لصاحب الطابق العلوي ولاحق لمالك الطابق السفلي فيه.

على أن هذا المدرج يمكن أن تكون ملكيته مشاعة بين صاحب الطابق الأول وصاحب الطابق الثاني.كما يمكن أن يتمتع صاحب الطابق العلوي بمدخل مستقل أو أن يكون هذا المدخل ملكية مشاعة بينه وبين صاحب الطابق السفلي وصاحب الطابق الثاني.

كما يمكن أن لا يملك أصلا في هذا المدخل لعقاره بل يتمتع فقط بحق ارتفاقي يتمثل في حق المرور droit de passage إلا أن ما يهمنا في هذا الشأن هو ضرورة وجود نقطة التصاق بالأرض من خلال وجود مدرج مستقل لصاحب الطابق العلوي وإن كان المدرج موجودا في الطابق السفلي على غرار المباني الحديثة على الطراز الأمريكي Style Américain فإننا لا نكون في إطار نظام العلو والسفل.

على أن الإشكاليات الفنية لا تنتهي عند هذا الحد إذ قد يتساءل البعض عن إمكانية تسجيل الطابق السفلي بمفرده دون الطابق المعتلي عليه خصوصا في غياب أجزاء مشتركة بينهما؟

دأب فقه قضاء المحكمة العقارية على قبول إمكانية تسجيل الطابق السفلي دون الطابق العلوي ويجوز ذلك فنيا من طرف ديوان قيس الأراضي والمسح العقاري من خلال تقنية القاطعة La coupe فيتم إعداد مثال مستقل بالطابق السفلي يرمز له بعلامة A ومثال مستقل للطابق العلوي يرمز له بعلامة B على أن يحوق مثال القطعة A باللون الأحمر أما إذا كان الأمر يتعلق بتسجيل الطابق العلوي دون الطابق السفلي فإن المثال المشار إليه بحرف Bهو الذي يتم تحويقه باللون الأحمر وبمجرد الاطلاع على المثال الهندسي نفهم إن كان موضوع مطلب التسجيل متعلقا بالطابق السفلي أو الطابق العلوي.

وإن كان الأمر يتعلق بالطابق الثاني دون الطابق الأول والطابق السفلي فإن المثال المتعلق به يرمز إليه بحرف C ويتم تطويقه باللون الأحمر كذلك.

ويتم تدوين كل هذه المعطيات من طرف ديوان وقيس الأراضي والمسح العقاري بواسطة مهندس محلف ضمن محضر تحديد PV de bornage يتم الرجوع إليه من طرف القاضي المقرر عند إجراء الأبحاث الاستقرائية المكتبية والعينية المستوجبة أو من طرف دائرة التسجيل الاختياري عند البت في مطلب التسجيل.

dourouby.tn

 

  1. الشروط القانونية:

هذه الشروط تتمثل أساسا في وجوب تعلق العملية بطابق بصدد البناء (1) و ضمان حقوق الارتفاق(2)

1-وجوب تعلق العملية بطابق بصدد البناء

سبق وأن أشرنا في البداية أنه لا يجوز قانونا بيع أو هبة أو التنازل عن حق الهواء الممنوع قانونا بعد صدور مجلة الحقوق العينية سنة 1965 2فضلا على أن العقد المتعلق به يكون فاقدا للمحل وهو أحد الأركان الأساسية للعقد طبق الفصل 2 من م إ ع وقد نص الفصل 325 من نفس المجلة أنه ليس الالتزام الباطل من أصله عمل ولا يترتب عليه شيء إلا استرداد ما وقع دفعه بغير حق بموجب ذلك الالتزام.

ويبطل الالتزام من أصله في الصورتين الآتيتين:

أولا: إذا خلا من ركن من أركانه.

ثانيا:إذا حكم القانون ببطلانه في صورة معينة.

وقد اعتبرت محكمة تعقيب ضمن قرارها عـــــــــــــــــــــ23311ـــــــــــــــــدد المؤرخ في 17/01/2009 أن البطلان المطلق هو جزاء يطال العقد الذي ينعدم ركن من أركانه أي الرضا أو الأهلية أو المحل أو السبب أو الشكلية إذا تعلق الأمر بعقد شكلي. ويعتبر هذا العقد كأنه لم يوجد ولا يترتب عليه أي أثر لأنه ولد ميتا وهو غير قابل للتصحيح لأن العدم لا يمكن أن ينقلب وجودا."

على أن أطراف العقد أو محرره قد يلتجئون عادة إلى حيلة قانونية لتجنب بطلانه فيتم التنصيص صلب العقد بأن المبيع يتمثل في طابق أول بصدد البناء رغم أنه لا يوجد أصلا بداية بناء بل أن الأمر يتعلق بالهواء.ولكل من له مصلحة أن يتمسك ببطلان هذا العقد إذا ثبت أن الأمر يتعلق فعلا ببيع هواء وليس طابقا بصدد البناء كأن يقدم للمحكمة محضر معاينة بواسطة أحد عدول التنفيذ3.

كما أن دائرة التسجيل الاختياري تقضي برفض المطلب إذا أثبتت الأبحاث العينية المجراة بواسطة القاضي المقرر أن الطابق العلوي موضوع كتب البيع أو الهبة غير موجود أصلا إلاّ أنّه لا يمكنها أن تقضي ببطلان العقد لعدم اختصاصها في ذلك.

                 

  1. توظيف حقوق الارتفاق

ان القضاء بتسجيل الطابق العلوي او الطابق السفلي اعتمادا على النظام القاطعة مثلما سبق الإشارة اليه يستوجب توظيف حقوق ارتفاق عند النطق بحكم التسجيل ضرورة أن الاستقلال الظاهري لكل طابق عن الطابق الآخر لا ينفي وجود علاقة مادية بين الطابقين تتجسم خاصة في حقوق الارتفاق التي توظف على طابق لفائدة طابق آخر كأن يحجر على مالك الطابق العلوي بناء طابق آخر فوق سطح عقاره والذي يسمى بحق السطحيّة لأن البناء فوق منزله قد يثقل كاهل الطابق السفلي ويهدد أسسه. فالشخص الذي يحمل فوق كتفه كيسا من الاسمنت قد يعجز عن حمل كيسين لأن كل طاقة لها حدودها.

كما أن صاحب الطابق السفلي وان كان مالكا لهذا الطابق ومن خصائص الملكية الاستعمال والاستغلال والتصرف إلا أنه لا يمكنه مثلا أن يقوم بإزالة إحدى أسس المنزل لأن ذلك قد يتسبب في أضرار للطابق العلوي الذي يتمتع بدوره بحق ارتفاق يتمثل في حق الارتكاز droit d’appui.

أو كأن يوظّف حق رؤية أو كشف لفائدة الطابق العلوي على الطابق السفلي المعتلي عليه وان كان هذا الطابق السفلي مسجلا فان حق ارتفاق المتمثل في حق الكشف يدرج بالرسم العقاري موضوع هذا الطابق وان كان غير مسجّل فانه يتم التنصيص بالرسم العقاري المزمع إحداثه للطابق العلوي على تمتعه بحق إرتفاق يتمثل في حق كشف على الطابق المعتلي عليه طبقا لأحكام الفصلين 377 و 398 من م ح ع إذ اشترط المشرع أن يتم التنصيص صراحة على "التحملات والارتفاقات الموظفة لفائدة العقار أو عليه."

وحق الارتفاق هو حق عيني يتبع العقار مهما انتقلت ملكيته وبما أنه حق عيني فإنه لا يمنح لشخص بل للعقار وبالتالي يتم توظيف هذا الحق على عين لفائدة عين وإن تم التفويت في هذا الطابق لفائدة الغير فإن هذا الأخير لا يمكنه أن ينكر هذا الحق كما لا يمكن للغير الذي قام بشراء الطابق السفلي مثلا أن يمنع صاحب الطابق العلوي من حقه في الكشف عن عقاره طالما أن هذا الحق الارتفاقي مدرج بالسجل العقاري.

dourouby.tn

 

  1. على مستوى الترسيم:

ان الوضعيّة القانونية والماديّة للعقار الخاضع لنظام العلو والسفل يستوجب بداية ترسيم العقد موضوع العملية المطلوبة وإفراد كل طابق برسم عقاري مستقل لأن نية الاطراف منذ البداية اتجهت إلى ذلك .

على ان ادارة الملكية العقاريّة وتطبيقا لأهم مبادئ الشهر العيني عادة ما تطلب من الاطراف الادلاء بالامثلة الهندسيّة المستوجة.علما بان الحصول على هذه الأمثلة من ديوان قيس الأراضي والمسح العقاري يتطلب الادلاء بوثائق قد يعجز الطالب عن توفيرها من بينها عقد مقاسمة بين كافة الشركاء أو نموذج 79 وهي مطبوعة معدة للغرض من طرف ديوان قيس الأراضي والمسح العقاري وتقرير اختبار معد من طرف خبير في قيس الأراضي مصادق عليه من طرف لجنة التقسيمات ببلدية المكان ولا تتم المصادقة الا بعد الوقوف على احترام كل الجوانب القانونية والفنية وخاصة مثال التهيئة العمرانية طبق الإجراءات القانونية المعمول بها في هذا المجال والمنصوص عليها بمجلة التهيئة الترابية والتعمير .

وقد يتعذر على الطالب الإدلاء بالوثائق المطلوبة فيقوم بإبرام كتب تكميلي يتم فيه تحويل المبيع إلى أجزاء على الشياع واعفاء ادارة الملكية العقارية من الوصف والتحديد والتشخيص وذكر المساحة بالامتار وذلك حفاظا على حقوقه من خلال ادراج العقد سند ملكيته ولو على الشياع في انتظار اجراء المقاسمة لاحقا وافراد كل وضعية استحقاقية برسم عقاري مستقل سواء من خلال قضية في القسمة لدى المحكمة الابتدائية الكائن بدائرتها العقار أو تقديم مطلب تخصيص لدى المحكمة العقارية على معنى أحكام الفصل 6 من القانون عدد 34 لسنة 2001 المؤرخ في 10 أفريل 2001 والمتعلق بتحيين الرسوم العقارية وتخليصها من الجمود.

هذا التوجه قد نجده تقريبا أمام المحكمة العقارية رغم مرونة الشروط المستوجبة للترسيم القضائي وبالتالي فان المسألة لا تخرج عن حلين: إما الترسيم بالتخصيص (أ) او الترسيم على الشياع رغم ما فيها من سلبيات (ب)

  1. آلية الترسيم بالتخصيص:

إن الترسيم بالتخصيص قد لا نجد له سندا قانونا صلب مجلة الحقوق العينيّة اذ بالرجوع إلى القواعد القانونيّة الواردة صلب المجلة والمتعلقة بالإشهار العيني نكاد لا نجد أي ضوابط قانونيّة للقواعد العملية لكيفية إدراج العمليات العقارية بالرسوم العقارية المتعلقة بها .

ضرورة أن الفصل 360 على سبيل الذكر ورد صلب الباب الأول من العنوان الثالث من المجلة ويتعلق أساسا بإقامة رسوم الملكيّة وبالتالي لا يتعلق مبدئيا الا بصور احداث رسوم عقارية وليس بطرق الترسيم.

إذ نصّ الفصل المذكور صراحة:"اذا جزئ عقار اثر عملية تقسيم او قسمة فانه يقع تحديد كل جزء منه على حدة بواسطة مهندس محلف ينص على هذه العملية بنظير من المثال ويقام رسم خاص ومثال مستقل لكل جزء مفرز من أجزاء العقار..."

وبالتالي قد نجد تبريرا لرفض إدارة الملكية العقارية عادة الاستجابة لطلب التخصيص والإفراد برسم عقاري مستقل ضرورة أن ذلك لا يتم إلا بعد عملية تقسيم مصادق عليها من طرف سلطة الإشراف أو في إطار قسمة قضائيّة.

على أن المحكمة العقارية تحديدا دائرة الرسوم المجمدة وفي إطار نظرها في مطلب التحيين الذي موضوعه الترسيم والتخصيص خول لها الفصل 6 من قانون التحيين صراحة إمكانية الحكم بترسيم الكتب وافراد موضوعه برسم عقاري مستقل بعد القيام بالابحاث الاستقرائية المكتبيّة والعينية المستوجبة بواسطة القاضي المقرر فتأذن قبل ذلك لديوان قيس الاراضي والمسح العقاري من خلال اصدار حكم تحضيري للغرض يتم بموجبه تكليف الديوان باجراء عملية التجزئة واعداد مثال مستقل لموضوع العقد سواء تعلق الأمر بطابق أول أو طابق ثان. هذا وتتم عملية الاستخراج او الاقتطاع Morcellement أو التخصيص distraction طبق الاجراءات الفنيّة التي تحدثنا عنها سابقا من خلال نظام القاطعة la coupe ويتحمل في ذلك الطالب المصاريف المستوجبة.

علما وان عملية الاقتطاع لا تتعلق بكامل العقار بل بالعلو المعتلي أو بالطابق الثاني على أن صاحب الطابق السفلي سيتمتع بدوره برسم عقاري مستقل بعد استخراج الطابقين المذكورين أعلاه وهو الرسم الأم le Reste du titre mère .

على أن هناك إشكالا يتعلق بعدد الطوابق الخاضعة لنظام العلو والسفل هل يتعلق الأمر بطابق أول أم بطابق ثان أم بطابق ثالث؟

سبق وان اشرنا في البداية أن عبارة "عدّة" الواردة بالفعل 85 من م ح ع يفهم منها صراحة معنى اثنان فأكثر. فقد ورد في لسان العرب لابن منظور أن المقصود من العدة هو مقدار ما يعد مبلغه وهو أيضا الجماعة قلّت أو كثرت إذ نقول رأيت عدة رجال وعدة نساء. وجاء أيضا في القاموس الجديد للطلاب ان العدة هي الجماعة.

وقد درج فقه قضاء المحكمة العقارية على اعتبار أن المباني الخاضعة لنظام العلو و السفل هي المباني التي نجد فيها طابق سفلي وطابق علوي (R+1) أو طابق سفلي وطابق أول وطابق ثان (R+2) أما اذا ما تعلق الأمر بطابق سفلي وثلاثة طوابق فما فوق فان الأمر لا يتعلق بنظام العلو والسفل بل بنظام ملكية الطبقات وتطبق عليه أحكام الفصل 85 وما بعده من م ح ع.

وبعد ورود أمثلة التجزئة من ديوان قيس الأراضي والمسح العقاري تنفيذا للحكم التحضيري الصادر عن دائرة الرسوم المجمدة تقوم هذه الأخيرة بإصدار الحكم من خلال الإذن لادارة الملكية العقارية بالتشطيب على التنصيص المتعلق بمطلب التحيين وكذلك الإذن لها بترسيم العقد موضوع المطلب بالرسم العقاري المتعلق به وافراد موضوعه برسم عقاري مستقل طبق المثال المعد من طرف ديوان قيس الاراضي والمسح العقاري الوارد على المحكمة.

أما إذا تعلق الأمر بمطلب تخصيص وليس ترسيم وتخصيص وتوفرت شروطه القانونيّة والفنيّة وتم الإذن لديوان قيس الأراضي والمسح العقاري باجراء عملية التجزئة فان المحكمة تقضي باعتبار أن المنابات الشائعة والراجعة للعارض بالرسم العقاري موضوع مطلب التحيين مسلطة على كامل القطعة عدد .... من المثال التقسيمي للرسم العقاري المذكور وإفراد موضوعها برسم عقاري مستقل.

على أن المحكمة مطالبة وجوبا في الحالتين بالتنصيص على ختم إجراءات التحيين تطبيقا لأحكام الفصل 23 من قانون التحيين الذي ينص صراحة أنه إذا شمل التحيين كامل الرسم العقاري موضوع المطلب أو نشأ عنه إحداث رسم عقاري جديد تقرر المحكمة ولو دون طلب ختم إجرءات التحيين بالنسبة إلى الرسمين المذكورين...."

  1. آلية الترسيم على الشياع:

قد يكتفي طالب التحيين بطلب ترسيم عقده بالسجل العقاري وتجاوز جميع الصعوبات التي تحول دون الترسيم دون طلب تخصيص موضوعه برسم عقاري مستقل على معنى أحكام الفصل 6 من القانون عدد 34 سن 2001 المؤرخ في 10 أفريل 2001و المتعلق بتحيين الرسوم العقارية و تخليصها من الجمود و قد تصدر المحكمة العقارية حكما تحضيريا يتم بموجبه الإذن لديوان قيس الأراضي والمسح العقاري بإجراء عملية التجزئة وإفراد كل طابق بمثال مستقل إلا أن طالب التحيين لا يقوم بتنفيذ الحكم التحضيري المذكور نظرا لتكلفتها المادية فيكتفي بطلب الترسيم على الشياع حفاظا على حقوقه في انتظار أن يقوم في وقت لاحق إما بإجراء مقاسمة رضائية بينه وبين صاحب الطابق السفلي طبق الإجراءات القانونية المعمول بها في هذا المجال وان تعذر ذلك تقديم قضية في القسمة لدى المحكمة الابتدائية الكائن بدائرتها العقار باعتبار أنه لا يجبر أحد على البقاء في حالة الشيوع طبق أحكام الفصل 71 من م ح ع أو تقديم مطلب تخصيص لدى المحكمة العقارية خصوصا وانه تتوفر فيه شروط ذلك فنيا وقانونيا ووجود حالة شيوع صوري بين المالكين.

فهل ان المحكمة العقارية ملزمة بقبول طلبه الترسيم على الشياع أم انه بإمكانها أن تعتبر ذلك تقاعسا من طالب التحيين عن تنفيذ الحكم التحضيري فتقضي برفض طلبه؟

دأب فقه قضاء المحكمة العقاريّة على الاستجابة لطلب الترسيم على الشياع للحفاظ على حقوق الطالب من جهة وتحيين الرسم العقاري وتخليصه من حالة الجمود من جهة أخرى خصوصا وانه لا يوجد سبب جدّي لرفض المطلب.

على أن هذا الحل وان كان له بعض الايجابيات على غرار سهولة الإجراء وربح الوقت وعدم تكلفته المادية وحصول الطالب بعد تنفيذ الحكم على شهادة اشتراك في الملكية يمكن ان يستعملها في شتى المجالات خصوصا إمكانية رهن مناباته المشاعة والحصول على قرض بنكي من المؤسسات المالية ضرورة أنه لكل من الشركاء بيع منابه وإحالته ورهنه والتفويت فيه بعوض أو بدونه إلا إذا كان حقّه مختصا بذاته طبق أحكام الفصل 59 من م ح ع.

إلا أن هذا الحل له كذلك بعض السلبيات لأنه لا يعكس الوضعية الحقيقية للرسم العقاري ويتعارض مع فلسفة التحيين التي تهدف أساسا إلى مطابقة الحالة القانونية للرسم العقاري مع وضعيته المادية كما أن الترسيم على الشياع يخرج طالب التحيين من الوضعية القانونية المفرزة إلى وضعية الشياع وما تشكله من مخاطر على العارض كان يقوم أحد الشركاء بممارسة حقه في الشفعة على معنى أحكام الفصل 103 وما بعده من م ح ع ذلك ان الفصل 104 من نفس المجلة ينص صراحة أنه"يعد شريكا على معنى الفصل السابق:

أولا: كل مالك أو وارث لحصة مشاعة من عقار مشترك.

ثانيا: مالك الهواء بالنسبة للأرض المبيعة.

ثالثا: مالك الأرض بالنسبة لهوائها المبيع

رابعا: كل شريك في دار معدة للسكنى غير خاضعة لأحكام ملكية الطبقات استقل بجزء منها دون بقيتها". علما وانه لا يمكن القيام بالشفعة اذا وقع البيع بين الأصول والفروع أو بين الزوجين طبق أحكام الفصل 108 من نفس المجلة.

كما أن الترسيم على الشياع قد يتسبب أحيانا في الوقوع في خطئ جسيم عند تحديد الأجزاء المشاعة موضوع البيع أو الهبة وضبط التجزئة العامة للرسم العقاري.

فان كانت مساحة العقار 500 م م مثلا ومساحة الطابق العلوي 200 م م فان تحويل المبيع إلى أجزاء على الشياع لا يتم بالتنصيص على 200 جزء من تجزئة الكامل إلى 500 جزء تخصم من المنابات الشائعة والراجعة للبائع بالرسم العقاري المذكور مثلما يقوم بذلك بعض محرري العقود لأننا نكون بذلك قد أجحفنا في حق البائع لأنه سيبقى مالكا قانونا لنسبة 300 جزء على الشياع في حين انه يملك واقعا 500 جزء وما يمكن أن يتسبب ذلك في نزاعات وخلافات لاحقا.

لذلك فان الحل القانوني الأسلم هو تغيير مقام الكسر او التجزئة العامة من خلال إضافة مساحة الطابق العلوي إلى مساحة العقار فيصبح المقام الجديد 700 جزء عوضا عن 500 جزء ويسلط البيع تبعا لذلك على 200 جزء من تجزئة الكامل إلى 700 جزء تؤخذ من المنابات الشائعة والراجعة للبائع أو الواهب بالرسم المذكور.

وإذا ما تعلق الأمر ببناء طابق ثان تغير التجزئة العامة من جديد لتستوعب مساحة هذا الطابق دون أن يطرأ تغييرا على المنابات الحقيقية لمالك الطابق السفلي ومالك الطابق العلوي.

هذا ونشير في النهاية إلى أن الالتجاء إلى حل الترسيم على الشياع قد يتعارض مع أحكام الفصل 58 من مجلة التهيئة الترابيّة والتعمير الذي يحجر ضمنيا كل بيع على الشياع من شأنه الترفيع في عدد المالكين.

1 إذ نص الفصل 573 المذكور صراحة:"يجوز بيع مقدار معلوم من الهواء فوق بناء وللمشتري أن يبني هناك إذ تعين نوع البناء وأبعاده لكن ليس لمشتري الهواء أن يبيع مما فوقه منه إلا برضى البائع الأول." كما نص الفصل 360 من م ح ع صراحة:" إذا جزئ العقار إثر عملية تقسيم أو قسمة فإنه يقع تحديد كل جزء منه على حده بواسطة مهندس محلف ينص على هذه العملية بنظير من المثال ويقام رسم خاص ومثال مستقل لكل جزء مفرز من أجزاء العقار..."

2 إذ نص الفصل 191 من م ح ص صراحة انه "يحجر ابتداء من تاريخ إجراء العمل بهذه المجلة إنشاء الإجازة الطويلة و تجديد عقودها الجارية و كذلك إنشاء حق الهواء أو الإنزال أو الكراء"

3 قرار تعقيبي عدد 5063 مؤرخ في 26 جانفي 1982 ن 1983 من 211 ج 1 : إن احالة حق الهواء فوق البناء منعها الفصل 191 و حق الهواء ذلك ليس سطح البناء و بذلك يمكن لمالك العقار أن يبيع السطح مع مطلعه من العقار لشخص و بيع ذات العقار فقط لغيره و ليس لهذا الغير منع مشتري السطح من إقامة بناء فيه و بذلك يكون الحكم بعدم سماع دعوى مشتري العقار في منع مشتري السطح من البناء في طريقه و لا مطعن فيه

قرار تعقيبي عدد 21512 مؤرخ في 22 جوان 1933 ق ت ع م 9-10 -1960ص 28 اقتضى الفصل 573 من م إ ع أن ملكية الأرض تستوجب ملكية ما تحتها و ما فوقها خصوصا الهواء الموجود فوق البناء .

           

dourouby.tn

ليست هناك تعليقات

-- --